الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
أنبأنا أحمد بن قريش بن عبد العزيز ، حدثنا إبراهيم بن محمد الذهلي ، عن الحسن بن عيسى بن ماسرجس، قال: صحبت ابن المبارك من خراسان إلى بغداد، فما رأيته أكل وحده.

حدثنا محمد بن عثمان العقبي ، حدثنا أبو أمية ، حدثنا عصام بن عمرو أبو حميد الطائي ، حدثنا عمرو بن هانئ، قال: كان رافع بن عميرة بن عمرو السنبسي - فخذ من طيئ - يغدي أهل ثلاثة مساجد، ويعشيهم، يوما بثرائد، ويوما برطبة، يعني الحيس، وما له قميص إلا قميص هو لجمعته، وهو للبيت.

[ ص: 261 ] قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : يجب على العاقل ابتغاء الأضياف، وبذل الكسر؛ لأن نعمة الله إذا لم تصن بالقيام في حقوقها ترجع من حيث بدأت، ثم لا ينفع من زالت عنه التلهف عليها، ولا الإفكار في الظفر بها، وإذا أدى حق الله فيها استجلب النماء والزيادة، واستذخر الأجر في القيامة، واستقصر إطعام الطعام.

وعنصر قرى الضيف هو ترك استحقار القليل، وتقديم ما حضر للأضياف؛ لأن من حقر منع، مع إكرام الضيف بما قدر عليه، وترك الادخار عنه.

ولقد حدثني كامل بن مكرم ، حدثنا محمد بن يعقوب الفرجي ، حدثنا الوليد بن شجاع ، حدثنا عقبة بن علقمة ، ومبشر بن إسماعيل أنهما سألا الأوزاعي: ما إكرام الضيف؟ قال: طلاقة الوجه، وطيب الكلام.

وأنشدني الكريزي في قوم لم يكونوا يضيفون:


أقاموا الديدبان على يفاع وقالوا: لا تنم للديدبان     إذا أبصرت شخصا من بعيد
فصفق بالبنان على البنان     تراهم خشية الأضياف خرسا
يصلون الصلاة بلا أذان



قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : أبخل البخلاء من بخل بإطعام الطعام، كما أن من أجود الجود بذله، ومن ضن بما لا بد للجثة منه، ولا تربو النفس إلا عليه: كان بغيره أبخل، وعليه أشح.

ومن إكرام الضيف طيب الكلام، وطلاقة الوجه، والخدمة بالنفس، فإنه لا يذل من خدم أضيافه، كما لا يعز من استخدمهم، أو طلب لقراه أجرا.

وأنشدني كامل بن مكرم، أنشدني محمد بن سهيل:


وإني لطلق الوجه للمبتغي القرى     وإن فنائي للقرى لرحيب
أضاحك ضيفي عند إنزال رحله     فيخصب عندي، والمحل جديب [ ص: 262 ]
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى     ولكنما وجه الكريم خصيب



وأنشدني الأبرش:


لا تبخلن بدنيا، وهي مقبلة     فليس ينقصها التبذير والسرف
وإن تولت فأحرى أن تجود بها     فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف



التالي السابق


الخدمات العلمية