الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ذكر الحث على سياسة الرياسة ورعاية الرعية

حدثنا عبد الله بن قحطبة ، حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير راع على رعيته، ومسؤول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه".

قال أبو حاتم - رضي الله عنه - : صرحت السنة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بأن كل راع مسؤول عن رعيته، فالواجب على كل من كان راعيا لزوم التعاهد لرعيته، فرعاة الناس العلماء، وراعي الملوك العقل، وراعي الصالحين تقواهم، وراعي المتعلم معلمه، وراعي الولد والده، كما أن حارس المرأة زوجها، وحارس العبد مولاه، وكل راع من الناس مسؤول عن رعيته.

وأكثر ما يجب تعاهد الرعية للملوك؛ إذ هم رعاة لها، وهم أرفع الرعاة لكثرة نفاذ أمورهم، وعقد الأشياء وحلها من ناحيتهم، فإذا لم يراعوا أوقاتهم، ولم يحتاطوا لرعيتهم هلكوا، وأهلكوا، وربما كان هلاك عالم في فساد ملك واحد، ولا يدوم ملك ملك إلا بأعوان تطيعه، ولا يطيعه الأعوان إلا بوزير، ولا يتم ذلك إلا أن يكون الوزير ودودا نصوحا، ولا يوجد ذلك من الوزير إلا بالعفاف [ ص: 269 ] والرأي، ولا يتم قوام هؤلاء إلا بالمال، ولا يوجد المال إلا بصلاح الرعية، ولا تصلح الرعية إلا بإقامة العدل، فكأن ثبات الملك لا يكون إلا بلزوم العدل، وزواله لا يكون إلا بمفارقته.

فالواجب على الملك أن يتفقد أمور عماله، حتى لا يخفى عليه إحسان محسن، ولا إساءة مسيء؛ لأنه إذا جنى عليه أعمال عماله لم يكن قائما بالعدل.

ولقد أنشدني علي بن محمد البسامي:


إذا سست قوما فاجعل العدل بينهم وبينك تأمن كل ما تتخوف     وإن خفت من أهواء قوم تشتتا
فبالجود فاجمع بينهم يتألفوا



التالي السابق


الخدمات العلمية