الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
773 [ 514 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مسلم بن خالد، عن ابن جريج هذا الحديث بهذا الإسناد.

قال ابن جريج: هو مخرش.

قال الشافعي: وأصاب ابن جريج لأن ولده عندنا بنو مخرش .

التالي السابق


الشرح

عمرو بن أوس الثقفي المكي.

سمع: عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن أبي سفيان. وروى عنه: عمرو بن دينار، والنعمان بن سالم. قيل: أنه مات سنة خمس وتسعين [ ص: 238 ] .

وعبد الرحمن: هو ابن أبي بكر الصديق أبو محمد التيمي، ذكر أنه أسلم عام الحديبية وأن اسمه كان عبد الكعبة فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الرحمن.

سمع: النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأباه أبا بكر.

وروى عنه: أبو عثمان النهدي، وغيره. مات سنة ثمان وخمسين، وقيل: ثلاث وخمسين .

ومزاحم: هو ابن أبي مزاحم المكي. روى عن: عمر بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن عبد الله.

وروى عنه: ابنه سعيد، وإسماعيل بن أمية، وابن جريج .

وعبد العزيز: هو ابن عبد الله بن خالد بن أسيد.

روى عن: النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا عن مخرش الكعبي.

وروى عنه: السفاح بن مطر .

ومحرش: هو ابن عبد الله الكعبي الخزاعي معدود في الصحابة.

قال أبو عيسى الترمذي : ولا نعرف له غير هذا الحديث.

وهو من أهل الحجاز، واختلف في اسمه: فقيل: محرش بضم الميم وبالحاء المهملة والراء المشددة والشين وكذلك رواه إسماعيل بن أمية ولم يذكر ابن ماكولا في كتابه غير ذلك، وقيل: مخرش بكسر [ ص: 239 ] الميم وبالخاء المعجمة الساكنة والراء المخففة وكذلك رواه ابن جريج وصوبه الشافعي وإلى ترجيحه يميل كلام الحافظ الدارقطني بعد ما حكى الاختلاف فيه .

والحديث الأول مدون في الصحيحين أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان، ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير عن سفيان.

والحديث الثاني أخرجه أبو داود عن قتيبة عن سعيد بن مزاحم عن أبيه، وأبو عيسى عن بندار عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن مزاحم.

والتنعيم: بين مكة وسرف، قيل: هي على فرسخين من مكة، وقيل: على أربعة أميال، وقيل: على فرسخ وهي من الحل، قال الشافعي : هي أقرب الحل إلى البيت.

ويقال: إنما سميت التنعيم لأن على يمينها قبالا يقال له نعيم، [ ص: 240 ] وعلى شمالها آخر يقال له ناعم، وذكر الشافعي والأصحاب أن عائشة كانت قد أحرمت بالعمرة لما خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم حاضت ولم يمكنها الطواف للعمرة، وخافت فوت الحج لو أخرت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن تهل بالحج وتدخله على العمرة، وتفعل ما يفعل الحاج سوى الطواف، فإذا طهرت طافت عنهما جميعا، واستدلوا بذلك على جواز إدخال الحج على العمرة قبل الطواف، قالوا: ثم إنها أحبت أن تنصرف بعمرة غير مقرونة بحج، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعمارها من التنعيم يبينه ما في صحيح مسلم عن جابر قال: أقبلنا مهلين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بحج مفرد وأقبلت عائشة مهلة بعمرة، حتى إذا كانت بسرف عركت حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحل منا من لم يكن معه هدي، فواقعنا النساء وتطيبنا ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[على عائشة] فوجدها تبكي فقال: ما شأنك؟

قالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن.

فقال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجك وعمرتك جميعا.

فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت.

قال: فاذهب يا أبا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة
[ ص: 241 ] .

قوله: "عركت" أي: حاضت، يقال: عركت المرأة تعرك عروكا، وليلة الحصبة: ليلة النفر من منى إلى مكة للتوديع، والتحصيب: أن تقيم بالشعب الذي مخرجه إلى الأبطح، ويقال لذلك الموضع: المحصب.

وفي الحديث دليل على أنه يستحب للحائض أن تغتسل للإحرام، وما روي في الصحيحين عن عروة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: انقضي رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعي العمرة. قالت: ففعلت، فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت.

فقال: هذه مكان عمرتك.


فهو محمول عند الشافعي على أنه أمرها بترك أعمال العمرة في الحال وبإدخال الحج عليها وإعمارها من التنعيم كان تطييبا لقلبها لا قضاء للعمرة.

وقوله: "هذه مكان عمرتك" أي: التي أحرمت بها مفردة، وذهب بعضهم إلى أنه أمرها بترك العمرة وفسخها وأن عمرتها من التنعيم كانت قضاء.

والجعرانة: بين الطائف ومكة، واللفظة بالتخفيف ثقلها بعضهم وقد يغلطون فيه.

وقوله: "فأصبح بها كبائت" أي: مثل من بات بها ولم يكن غائبا عنها، وإلام ترجع الكناية في قوله: "بها"؟ ظاهر اللفظ عودها إلى الجعرانة فإنها المذكورة كأنه اعتمر ورجع إلى الجعرانة فأصبح بها، [ ص: 242 ] يدل عليه أن في رواية يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن مزاحم: خرج من الجعرانة ليلا معتمرا فدخل مكة يقضي عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائت فما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرف، لكن اللفظ في سنن أبي داود عن محرش: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الجعرانة فجاء إلى المسجد ركع ما شاء الله ثم أحرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى لقي طريق المدينة فأصبح بمكة كبائت.

وقد يؤيد هذا بما قيل: أن الجعرانة على ستة فراسخ من مكة ويستبعد قطع هذه المسافة ذهابا وإيابا والاعتمار في ليلة واحدة والله أعلم، وإنما اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة في غزوة حنين ففي الصحيح; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر: عمرة الحديبية حيث صده المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة حيث قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته ويقال: أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة مرتين عمرة القضاء سنة سبع، ومرة عمرة هوازن .

ورأى الشافعي لمن هو بمكة أفضل البقاع لإحرام العمرة: الجعرانة ثم التنعيم ثم الحديبية، وليس النظر في الترتيب إلى المسافة; فقد قيل: إن المسافة من الجعرانة ومن الحديبية إلى مكة واحدة، ولكن [ ص: 243 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر من الجعرانة وأمر عائشة بالإحرام من التنعيم وصلى بالحديبية وأراد الدخول منها في العمرة، فصده المشركون فقدم ما فعله ثم ما أمر به ثم ما هم به.




الخدمات العلمية