الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
947 الأصل

[ 592 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد بن سالم، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة لم يلو ولم يعرج .

التالي السابق


الشرح

قوله: لم يلو ولم يعرج، يريد على شيء سوى الطواف، يقال: لوى على كذا أي: عطف وعرج.

وروى الشافعي الحديث في القديم فزاد في إسناده مع سعيد مسلما وقال في متنه: لما قدم مكة لم يعرج حتى طاف بالبيت.

والمستحب للقادم أن يعجل الطواف ولا يشتغل بشيء آخر حتى يطوف إلا أن يدخل المسجد والإمام في المكتوبة فيصليها أولا، أو يخاف فوت فريضة أو سنة مؤكدة فيقدمها ثم يطوف، وكذا المرأة الشريفة التي لا تبرز للرجال أو الجميلة تؤخر الطواف إلى الليل; وإنما [ ص: 318 ] يستحب طواف القدوم لغير المعتمر المحض، فأما المعتمر فإذا طاف للعمرة أجزأه ذلك عن طواف القدوم; لأنه تحية البقعة فهو كما إذا دخل المسجد وصلى الفريضة أجزأه ذلك عن التحية، والحاج والقارن إن قدما الوقوف على دخول مكة فليس في حقهما طواف قدوم أيضا بل هو مخصوص بما إذا قدما مكة قبل الدخول.

وحديث عطاء مرسل، لكنه ورد مقصوده مسندا في سائر الروايات ففي الصحيح عن عروة عن عائشة أن أول شيء بدأ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف بالبيت. وتمام الحديث ما رواه البخاري عن أحمد بن عيسى، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل القرشي أنه سأل عروة بن الزبير فقال: قد حج النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتني عائشة أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم حج عمر مثل ذلك، ثم حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع أبى الزبير بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك ثم لا تكون عمرة، ثم آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر ثم لم ينقضها عمرة، وهذا ابن عمر عندهم فلا يسألونه ولا أحد ممن مضى ما كانوا يبدءون بشيء حين يضعون أقدامهم من الطواف بالبيت ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين [ ص: 319 ] تقدمان لا تبدآن بشيء أول من البيت تطوفان به، ثم إنهما لا تحلان، وقد أخبرتني أمي أنها أهلت وأختها والزبير وفلان وفلان بعمرة فلما مسحوا الركن حلوا.

ففيه مع حكايته فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إطباق الصحابة بعده على رعاية طواف القدوم; وأما بقية مقصود الحديث فقد زعم بعضهم أن المحرم بالحج إذا طاف بالبيت وسعى يحل; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه بعدما طافوا بالبيت وبين الجبلين: من لم يكن معه هدي فليحلل وليجعلها عمرة وعرض قول هذا القائل على عروة فأنكره قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحلل حتى فرغ من أعمال الحج، وعلى هذا جرت الصحابة بعده، وقد مر فيما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - تأويل أن إحرامهم كان مبهما وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتظر الوحي، وما قيل أنه كان لهم نقض الحج وتحويله عمرة وأن ذلك كان مخصوصا بذلك الوقت. والله أعلم.

وقوله: ثم لم تكن عمرة أي لم يصر النسك عمرة، ويجوز أن يقرأ: عمرة بالرفع ويجعل لم تكن بمعنى لم يحدث، وفي صحيح مسلم: ثم لم يكن غيره بدل ثم لم تكن عمرة أي: لم يكن غير الحج، والله أعلم.

وحيث شرع طواف القدوم فلو أن القادم اشتغل بشيء آخر قبل الطواف لم يفت الطواف، روي أن عليا رضي الله عنه كان يأتي منزله قبل أن يطوف بالبيت [ ص: 320 ] .




الخدمات العلمية