الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
980 [ 614 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء قال: سعى أبو بكر في حجه عام حج إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ثم أبو بكر وعمر وعثمان والخلفاء هلم جرا يسعون كذلك .

التالي السابق


الشرح

من الهيئات المسنونة في الطواف الرمل والاضطباع، والرمل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، ويقال له: الخبب أيضا ولا [ ص: 340 ] ينتهي ذلك إلى العدو والوثوب، والاضطباع: أن يدخل رداءه تحت منكبه الأيمن ويلقي طرفيه على منكبه الأيسر ويترك المنكب الأيمن مكشوفا، ويقال له: التأبط أيضا.

أما استحباب الرمل فلحديث ابن عمر وفي رواية الكتاب اختصار، وإنما يستحب الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى; ففي صحيح مسلم من رواية عبيد الله بن عمر أخي عبد الله عن نافع عن ابن عمر قال: رمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا .

وعن سريج بن النعمان عن فليح عن نافع عن ابن عمر قال: سعى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشواط ثم مشى أربعة في الحج والعمرة .

وعن كثير بن فرقد عن نافع أن ابن عمر كان يخب في طوافه حين يقدم في حج أو عمرة ثلاثا ويمشي أربعا، قال: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك .

وعن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمل من الحجر الأسود حتى ينتهي إليه ثلاثة أطواف .

وللشافعي قولان في أن الرمل يختص بطواف القدوم، أو هو مسنون في كل طواف يعقبه السعي؟

أظهرهما عند أكثر الأصحاب الثاني.

وأما الاضطباع فعن يعلى بن أمية قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يطوف [ ص: 341 ] بالبيت مضطبعا .

وعن ابن عباس; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت فاضطبعوا أرديتهم تحت آباطهم وعلى عواتقهم .

ولا يختص الاضطباع ببعض الأشواط بخلاف الرمل، بل يديمه إلى آخر السعي بين الصفا والمروة، وكان سبب الرمل والاضطباع في الأصل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قدموا مكة وقد وهنتهم الحمى، فقال المشركون: يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم الحمى ولقوا منها شدة، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرمل والاضطباع ليرى المشركون جلدهم.

قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا في الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم .

وإلى هذا المعنى يتوجه قول عمر رضي الله عنه: لمن نبدي الآن مناكبنا ومن نرائي ويروى أنه قال: ما لنا وللرمل وإنما كنا نرائي به المشركين وقد أهلكهم الله تعالى ثم قال: شيء صنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا نحب أن نتركه [ ص: 342 ] .

وهذا معنى قوله: "والله على ذلك لأسعين كما سعى" أي: والله مع ذلك لأقتدين بسعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرملن كرمله.

وقوله: استلم الركن ليسعى، يمكن أن يحمل على الاستلام المسنون في آخر الطواف ويحمل على السعي بين الصفا والمروة، ويمكن أن يحمل على الاستلام المسنون في أول الطواف ويحمل السعي على الرمل، وهو الأشبه والأوفق للمراد من السعي في الآثار المذكورة في الفصل.

وقول عطاء: سعى في عمره كلهن الأربع، أراد به ما اشتهر من اعتمار النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي الصحيح عن قتادة قال: قلت لأنس بن مالك: كم من حجة حجها النبي - صلى الله عليه وسلم -؟

قال: حجة واحدة، واعتمر أربع عمر: عمرته التي صده المشركون عن البيت، والعمرة الثانية حين صالحوه فرجع من العام المقبل، وعمرة من الجعرانة حين قسم غنائم حنين، وعمرة مع حجته.


وقوله: "إلا أنهم ردوه في الأولى الرابعة" كأنه سماها أولى لتقدمها زمانا، وهي رابعة إذا وقع العد من الطواف الأول، وكان قد خرج - صلى الله عليه وسلم - معتمرا فلذلك تعد عمره أربعا إلا أنه صد عن الأولى فلم يأت بأعمالها فلذلك قال عطاء: سعى منها إلا أنهم ردوه في الأولى ، والمراد من السعي: الإسراع في الأشواط الثلاثة وبين الجبلين في موضعه.

وقوله: "رمل من سبعة" يعني من الأشواط السبعة، والخبب [ ص: 343 ] كالرمل كما قدمنا، يقال منه: خب يخب خبا وخببا وخبيبا.

وقوله: "ليس بينهن مشي" فيه ما يدل على أن الثلاثة الأولى تستوعب بالرمل، وعن الشافعي قول: أنه يترك الرمل في كل طوفة بين الركنين اليمانيين، والظاهر الأول.

قوله: وسعى أبو بكر ... إلى آخره أراد به الإسراع المذكور في الطواف بالبيت وبين الجبلين.

وقوله: "والخلفاء هلم جرا" لا يريد ممن بعدهم إلى الآن كما يقال: كان ذلك عام كذا وهلم جرا.




الخدمات العلمية