الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولا يقتل ) متعمد وهو ( شريك مخطئ ) ولو حكما كغير المكلف الذي لا تمييز له كما يأتي ( و ) شريك ( شبه عمد ) لحصول الزهوق بفعلين أحدهما يوجبه والآخر ينفيه فغلب الثاني للشبهة في فعل المتعمد وعلى الأول نصف دية العمد وعاقلة الثاني نصف دية الخطأ أو شبه العمد ( ويقتل ) ( شريك الأب ) في قتل فرعه ( وعبد شارك حرا في عبد ) وحر شارك حرا في جرح عبد فعتق وكان فعل المشارك بعد عتقه ثم مات بسرايتهما ( وذمي شارك مسلما في ذمي وكذا شريك حربي ) في قتل مسلم أو ذمي ( و ) قاطع يدا مثلا هو شريك ( قاطع ) أخرى ( قصاصا أو حدا ) فسرى القطعان إليه تقدم الهدر أو تأخر ( و ) جارح لمن جرح نفسه قبله أو بعده وكجرحه لنفسه أمره من لا يميز بجرحها كما هو ظاهر من قولهم : إنه آلة محضة لأمره فهو ( شريك النفس ) في قتلها ( و ) جارح ( دافع الصائل ) على محترم ( في الأظهر ) لحصول [ ص: 276 ] الزهوق بفعلين عمدا ، وامتناع القصاص عن أحدهما لمعنى آخر خارج عن الفعل لا يقتضي سقوطه عن الآخر تقدم أو تأخر .

                                                                                                                            والثاني تجب نصف الدية فقط ; لأن من لا يضمن أخف حالا من المخطئ فأولى بعدم القود على شريكه .

                                                                                                                            ورد بأن فعل الشريك فيما بعد كذا مهدر بالكلية لا يقتضي شبهة في فعل الآخر أصلا فلا يكون مساويا لشريك المخطئ فضلا عن كونه أولى منه ، ويقتل شريك صبي مميز ومجنون له نوع تمييز وشريك السبع والحية القاتلين غالبا مع وجود المكافأة .

                                                                                                                            والحاصل أنه متى سقط القود من أحدهما لشبهة في فعله سقط عن شريكه أو لصفة قائمة بذاته وجب على شريكه ( ولو ) ( جرحه جرحين عمدا وخطأ ) أو وشبه عمد ( ومات بهما ) ( أو جرح ) جرحا مضمونا وآخر غير مضمون كأن جرح ( حربيا أو مرتدا ثم أسلم ) المجروح ( وجرحه ثانيا فمات ) بهما ( لم يقتل ) تغليبا لمسقط القود ففي الأولى عليه مع قود الجرح الأول إن أوجبه نصف دية مغلظة ونصف دية مخففة ، وفيما بعدها عليه موجب الجرح الواقع في حال العصمة من قود أو دية مغلظة وتعدد الجارح فيما ذكر كذلك إلا إن قطع المتعمد طرفه فقط ( ولو ) ( داوى جرحه بسم مذفف ) أي قاتل سريعا ( فلا قصاص ) ولا دية ( على جارحه ) في النفس إذ هو قاتل نفسه وإن لم يعلم حال السم بل في الجرح إن أوجبه وإلا فالمال ( وإن لم يقتل ) السم الذي داواه به ( غالبا ) أو لم يعلم وإن قتل غالبا ( فشبه عمد ) فعله فلا قود على جارحه في النفس أيضا بل عليه نصف دية مغلظة مع ما أوجبه الجرح ( وإن قتل ) السم ( غالبا وعلم فشريك جارح نفسه ) فيلزمه القود في الأظهر ( وقيل ) هو ( شريك مخطئ ) فلا قود عليه ; لأن الإنسان لا يقصد قتل نفسه ، واحترز بقوله : داوى جرحه عما لو داواه غير الجارح ، فإن كان بموح وعلمه قتل الثاني أو بما يقتل غالبا وعلم ومات بهما قتلا وإلا فدية شبه العمد ، وما أفتى به ابن الصلاح من أنه لو كحل إنسان عين مريض فذهبت بمداواته فالضمان على عاقلته فبيت [ ص: 277 ] المال فعليه محمول على عدم إذنه له في مداواته بهذا الدواء وإلا فلا ضمان كما لو قطع سلعة مكلف بإذنه وقد علم أنه متى لم ينص المريض على دواء معين فعلى عاقلة الطبيب الضمان ثم بيت المال ثم هو وإن نص على ذلك كان هدرا ، ومن الدواء خياطة جرحه غير أنه إن خاط في لحم حي وهو يقتل غالبا فالقود ، وإن آل الحال للمال فنصف دية ، وإن خاطه ولي للمصلحة فلا قود عليه كما رجحه المصنف ولا على الجارح كما اقتضاه كلامهما والكي كالخياطة

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولا يقتل متعمد وهو ) أي والحال أنه شريك إلخ ، وقوله مخطئ : أي ما لم يكن المخطئ آلة للمتعمد كما تقدم فيما لو أكرهه على رمي شاخص علمه المكره بالكسر آدميا وظنه المكره صيدا فإن القصاص على المكره مع كونه شريك مخطئ ، وكما لو كان غير المميز مأمور المكلف أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة الآمر ( قوله : تقدم الهدر ) أي الفعل الهدر ( قوله وجارح ) أي ويقتل جارح لشخص جرح نفسه سواء كان جرحه لنفسه قبل قتل الأول أو بعده

                                                                                                                            ( قوله : وجارح ) أي ويقتل شريك جارح دافع إلخ بجر دافع على أنه صفة جارح ومنه يعلم أن [ ص: 276 ] دافع صفة لمحذوف ( قوله : ورد بأن فعل الشريك ) أي الذي لم يضمن

                                                                                                                            ( قوله : القاتلين غالبا ) أي حيث لم يقعا على المقتول بلا قصد فإن كان فعلهما لا يقتل غالبا أو وقعا بلا قصد فلا قصاص على شريكهما ( قوله لشبهة في فعله ) بأن كان فعله خطأ ولو حكما أو شبه عمد

                                                                                                                            ( قوله : أو لصفة قائمة ) كالصبا ودفع الصائل ( قوله : ولو جرحه جرحين عمدا ) تقدم العمد أو تأخر

                                                                                                                            ( قوله : نصف دية مغلظة ) في شبه العمد

                                                                                                                            ( قوله : ونصف دية ) أي في الخطأ

                                                                                                                            ( قوله : وفيما بعدها ) هو قوله مضمونا إلخ

                                                                                                                            ( قوله : فيقطع طرفه فقط ) أي : وعلى الثاني ضمان فعله من خطأ أو شبه عمد

                                                                                                                            ( قوله : وإن لم يعلم ) غاية ، وقوله : إن أوجبه أي أوجب جرحه القصاص

                                                                                                                            ( قوله : أو لم يعلم ) وخالفت هذه ما قبلها بأن تلك في المذفف الذي يقتل سريعا وهذه في غيره وإن قتل غالبا

                                                                                                                            ( قوله : غير الجارح ) أي ولو بإذنه حيث لم يعين له الدواء أخذا مما بعدها

                                                                                                                            ( قوله : فإن كان بموح ) بموحدة ، وآخره حاء مهملة أي قاتل سريعا

                                                                                                                            ( قوله : لو كحل ) هو بالتخفيف [ ص: 277 ] قوله : خياطة جرحه ) أي فإن أذن له في خياطته على وجه مخصوص فهدر وإلا فعلى عاقلته

                                                                                                                            ( قوله : فالقود ) أي على من خاط حيث علم بحال الجرح وتعمد ( قوله : فنصف دية ) أي على من خاط ( قوله : وإن خاطه ) أي بنفسه أو مأذونه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وفي قتل مسلم أو ذمي ) أي والمشارك مسلم أو ذمي في صورة المسلم أو ذمي في صورة الذمي ( قوله : فهو ) أي الجارح ( قوله : وشريك النفس ) لعله إذا كان جرحه لنفسه يقتل غالبا وكان متعمدا فيه أخذا مما سيأتي في مسألة السم فليراجع ( قوله : وجارح دافع الصائل ) [ ص: 276 ] هو بتنوين جارح المجرور بإضافة شريك إليه ، وإنما قدره لدفع توهم وجوب القصاص على شريك دافع الصائل في الدفع ، فالصورة أن دافع الصائل جرحه للدفع ثم بعد الدفع جرحه آخر فمات بهما ( قوله : إن أوجبه ، وإلا فالمال ) هذا بالنظر لما في المتن خاصة مع قطع النظر عما زاده بقوله ولا دية ، أما مع النظر إليه فكان المناسب أن يقتصر على قوله إن أوجب ذلك ( قوله : عما لو داواه آخر . غير الجارح )

                                                                                                                            لفظ آخر ساقط في أكثر نسخ الشارح مع أنه هو المحترز في الحقيقة ، وأما قوله : غير الجارح فهو زيادة عن المحترز تقييد له فكان ينبغي أن يقول : أي غير الجارح وانظر حكم ما لو كان المداوي هو الجارح ( قوله : بموح ) هو بضم الميم وفتح الواو وتشديد المهملة : أي مسرع للموت ( قوله : وما أفتى به ابن الصلاح إلخ . ) ظاهر هذا السياق أن إفتاء ابن الصلاح فيه مخالفة لما قبله وليس [ ص: 277 ] كذلك ، وإنما هو فائدة مجردة يؤخذ منها تقييد لما مر كما لا يخفى ، وعبارة التحفة : وأفتى ابن الصلاح إلخ . ( قوله : ومن الدواء خياطة جرحه ) أي بأن خاط جرح نفسه الذي جرحه له الغير ( قوله : فالقود ) أي على جارحه




                                                                                                                            الخدمات العلمية