الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 483 ] قوله ( وإن كاتبا عبدهما : جاز ، سواء كان على التساوي أو التفاضل . ولا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على التساوي . فإذا كمل أداءه إلى أحدهما قبل الآخر : عتق كله عليه . وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه : لم يعتق ، إلا أن يكون بإذن الآخر فيعتق ، ويحتمل أن لا يعتق ) . قال الشارح : إذا كان العبد لاثنين فكاتباه معا ، سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه ، وسواء اتفق نصيباهما فيه أو اختلفا ، وسواء كان في عقد واحد أو عقدين : صح . ثم قال : ولا يجوز أن يختلفا في التنجيم ، ولا في أن يكون لأحدهما من النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر . في أحد الوجهين . لأنه لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على السواء . ولا يجوز تقديم أحدهما بالأداء على الآخر . واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدى : يفضي إلى ذلك .

والثاني : يجوز ، لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ، ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له . ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله ، أو أكثر منه . ثم قال : وليس للمكاتب أن يؤدي إلى أحدهما أكثر من الآخر . ذكره القاضي . قال المصنف : لا أعلم فيه خلافا . فإن قبض أحدهما دون الآخر شيئا : لم يصح القبض ، وللآخر : أن يأخذ منه حصته إذا لم يأذن له . فإن أذن ففيه وجهان . ذكرهما أبو بكر .

أحدهما : يصح . وهو أصح ، إن شاء الله تعالى . [ ص: 484 ]

والثاني : لا يصح . اختاره أبو بكر . انتهى كلام الشارح . وقال في المحرر : وإن كاتب اثنان عبدهما على التساوي ، أو التفاضل : جاز ، ولم يؤد إليهما إلا على قدر ملكيهما . فإن خص أحدهما بالأداء لم يعتق نصيبه . إلا أن يكون بإذن الآخر . فإنه على وجهين . انتهى . فقول المصنف " فإذا كمل أداءه إلى أحدهما قبل الآخر : عتق كله عليه " . يعني إذا كاتباه منفردين وكان موسرا . وقوله " وإن أدى إلى أحدهما دون صاحبه إلى آخره " محمول على ما إذا كاتباه كتابة واحدة ، بأن يوكلا من يكاتبه ، أو يوكل أحدهما الآخر . فيكاتبه صفقة واحدة . فكلام المصنف فيه إيهام . وتحرير المسألة : ما قاله في الهداية ، والمذهب والمستوعب ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، وغيرهم : أنهما إذا كاتباه منفردين ، فأدى إلى أحدهما ما كاتبه عليه ، أو أبرأه من حصته : عتق نصيبه خاصة ، إن كان معسرا . وإن كان موسرا : عتق عليه جميعه . ويكون ولاؤه له . ويضمن حصة شريكه . وإن كاتباه كتابة واحدة . فأدى إلى أحدهما مقدار حقه بغير إذن شريكه : لم يعتق منه شيء . فإن أدى بإذن شريكه : فهل يعتق نصيب المؤدى إليه ؟ على وجهين . ويحمل كلام المصنف الأخير هنا على ذلك . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب والمستوعب ، والمغني ، والشرح ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . فقدم المصنف هنا : أنه يعتق نصيب المؤدى إليه . وهو المذهب . وقدمه في الخلاصة ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . وصححه المصنف ، والشارح ، والناظم . [ ص: 485 ] قال ابن منجا : هذا المذهب . ويحتمل أن لا يعتق ولو أذن له الآخر . وهو الوجه الثاني . واختاره أبو بكر . فعلى المذهب : إذا أدى ما عليه من مال الكتابة بإذن الآخر : عتق نصيبه . ويسري إلى باقيه إن كان موسرا . وعليه قيمة حصة شريكه . وهذا قول الخرقي ، وغيره . ويضمنه في الحال بنصف قيمته مكاتبا مبقى على ما بقي من كتابته . وولاؤه كله له . وقال أبو بكر ، والقاضي : لا يسري العتق في الحال ، وإنما يسري عند عجزه . فعلى قولهما : يكون باقيا على الكتابة . فإن أدى إلى الآخر : عتق عليهما ، وولاؤه لهما . وما يبقى في يده من كسبه فهو له . وإن عجز وفسخت كتابته : قوم على الذي أدى إليه . وكان ولاؤه كله له .

التالي السابق


الخدمات العلمية