الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يئوده حفظهما ) قرأ الجمهور : ( يئوده ) بالهمز ، وقرئ شاذا بالحذف ، كما حذفت همزة أناس ، وقرئ أيضا : ( يوده ) بواو مضمومة على البدل من الهمزة أي : لا يشقه ، ولا يثقل عليه ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، وغيرهم . وقال أبان بن تغلب : لا يتعاظمه حفظهما ، وقيل : لا يشغله حفظ السماوات عن حفظ الأرضين ، ولا حفظ الأرضين عن حفظ السماوات . والهاء تعود على الله تعالى ، وقيل : تعود على الكرسي ، والظاهر الأول لتكون الضمائر متناسبة لواحد ولا تختلف ، ولبعد نسبة الحفظ إلى الكرسي .

( وهو العلي العظيم ) علي في جلاله ، عظيم في سلطانه . وقال ابن عباس : الذي كمل في عظمته ، وقيل : العظيم المعظم ، كما يقال : العتيق في المعتق ; قال الأعشى :


وكأن الخمر العتيق من الإسـ فنط ممزوجة بماء زلال



وأنكر ذلك لانتفاء هذا الوصف قبل الخلق وبعد فنائهم ؛ إذ لا معظم له حينئذ ، فلا يجوز هذا القول . وقيل : والجواب أنها صفة فعل ، كالخلق والرزق ، فلا يلزم ما قالوه . وقيل : العلي الرفيع فوق خلقه ، المتعالي عن الأشباه والأنداد ، وقيل : العالي من : علا يعلو : ارتفع ، أي : العالي على خلقه بقدرته ، والعظيم ذو العظمة [ ص: 281 ] الذي كل شيء دونه ، فلا شيء أعظم منه . قال الماوردي : وفي الفرق بين العلي والعالي وجهان : أحدهما : أن العالي هو الموجود في محل العلو ، والعلي هو مستحق للعلو . الثاني : أن العالي هو الذي يجوز أن يشارك ، والعلي هو الذي لا يجوز أن يشارك ، فعلى هذا الوجه يجوز أن يوصف الله بالعلي لا بالعالي ، وعلى الأول يجوز أن يوصف بهما ، وقيل : العلي : القاهر الغالب للأشياء ، تقول العرب : علا فلان فلانا غلبه وقهره ; قال الشاعر :


فلما علونا واستوينا عليهم     تركناهم صرعى لنسر وكاسر



ومنه ( إن فرعون علا في الأرض ) وقال الزمخشري : العلي الشأن العظيم الملك والقدرة ، انتهى . وقال قوم : العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه . قال ابن عطية : وهذا قول جهلة مجسمين ، وكان الوجه أن لا يحكى . وقال أيضا : العلي يراد به علو القدر والمنزلة ، لا علو المكان ؛ لأن الله منزه عن التحيز ، انتهى .

قال الزمخشري : فإن قلت كيف ترتبت الجمل في آية الكرسي من غير حرف عطف ؟ قلت : ما منها جملة إلا وهي واردة على سبيل البيان لما ترتبت عليه ، والبيان متحد بالمبين ، فلو توسط بينهما عطف لكان كما تقول العرب : بين العصا ولحائها ، فالأولى : بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه ; والثانية : لكونه مالكا لما يدبره . والثالثة : لكبرياء شأنه ، والرابعة : لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضي منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضي . والخامسة : لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها ، أو بجلاله وعظيم قدره ، انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية