الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) تقدم الكلام في الإرادة في قول : ( ماذا أراد [ ص: 42 ] الله بهذا مثلا ) ، والإرادة هنا إما أن تبقى على بابها ، فتحتاج إلى حذف ، ولذلك قدره صاحب ( المنتخب ) : يريد الله أن يأمركم بما فيه يسر ، وإما أن يتجوز بها عن الطلب ، أي : يطلب الله منكم اليسر ، والطلب عندنا غير الإرادة ، وإنما احتيج إلى هذين التأويلين : لأن ما أراده الله كائن لا محالة ، على مذهب أهل السنة ، وعلى ظاهر الكلام لم يكن ليقع عسر ، وهو واقع ، وأما على مذهب المعتزلة فتكون الآية على ظاهرها ، وأراد : يتعدى إلى الأجرام بالباء ، وإلى المصادر بنفسه كالآية . ويأتي أيضا متعديا إلى الأجرام بنفسه وإلى المصادر بالباء . قال :


أرادت عرارا بالهوان ومن يرد عرارا ، لعمري ! بالهوان فقد ظلم



قالوا : يريد هنا بمعنى أراد ، فهو مضارع أريد به الماضي ، والأولى أن يراد به الحالة الدائمة هنا : لأن المضارع هو الموضوع لما هو كائن لم ينقطع ، والإرادة صفة ذات لا صفة فعل ، فهي ثابتة له تعالى دائما ، وظاهر اليسر والعسر العموم في جميع الأحوال الدنيوية والأخروية .

وفي الحديث . " دين الله يسر ، يسر ولا تعسر " . وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، وفي القرآن : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ، ( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ) ، فيندرج في العموم في اليسر فطر المريض والمسافر اللذين ذكر حكمهما قبل هذه الآية ، ويندرج في العموم في العسر صومهما لما في حالتي المرض والسفر من المشقة والتعسير . وروي عن علي ، وابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : أن اليسر الفطر في السفر ، والعسر الصوم فيه ، ويحمل تفسيرهم على التمثيل بفرد من أفراد العموم ، وناسب أن مثلوا بذلك : لأن الآية جاءت في سياق ما قبلها ، فدخل فيها ما قبلها دخولا لا يمكن أن يخرج منها ، وفي ( المنتخب ) : ( يريد الله بكم اليسر ) كاف عن قوله : ( ولا يريد بكم العسر ) ، وإنما كرر توكيدا ، انتهى . وقرأ أبو جعفر ، ويحيى بن وثاب ، وابن هرمز ، وعيسى بن عمر : اليسر والعسر ، بضم السين فيهما ، والباقون بالإسكان .

التالي السابق


الخدمات العلمية