الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولم يقل أحد من أئمة الدين أن الميت يؤجر على استماعه للقرآن، وإن قال ذلك بعض المتأخرين الذين ليسوا أئمة، فإنه ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".

فقد أخبر أن عمله ينقطع من سوى المسمى، والاستماع الذي يؤجر عليه من الأعمال، والميت يسمع بلا ريب، كما ثبت ذلك بالنصوص واتفاق أهل السنة، كما في الصحيح أنه "يسمع خفق نعالهم حتى [ ص: 132 ] يولون عنه مدبرين"، وأنه لما خاطب أهل قليب بدر قال : "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". ولهذا أمر الزائر أن يسلم على الميت، ولولا أنه يسمع السلام لم يؤمر بالسلام عليه. وقد قال ابن عبد البر : ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من رجل يمر بقبر رجل يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام". لكن الإدراك لا يستلزم أن يكون مما يؤجر عليه ويثاب عليه، وإن كان الميت يتنعم ببعض ما يسمعه، كما يعذب بالنياحة عليه. وليس تعذيبه عقابا على النياحة، لأنها ليست من عمله، وإنما هي من جنس الآلام التي تلحق العبد من غير عمله، كشم الروائح الخبيثة وسمع الأصوات المنكرة ورؤية الأشياء المروعة. ولو كان هذا الاستماع مما يؤجر عليه لكان الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين أحق بعمل ذلك.

ولم يكونوا يجتمعون عند القبر لختم القرآن عنده، كما يفعل ذلك بعض المتأخرين، بل تنازع العلماء في القراءة عند القبر: فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في أكثر الروايات عنه، ورخص فيها في الرواية الأخرى لما بلغه عن ابن عمر أنه وصى أن يقرأ عند دفنه بفواتح البقرة وخواتمها. والرخصة إما مطلقا وإما حال الدفن خاصة، ولكن اتخاذ ذلك سنة راتبة لم يذهب إليه أحد من أئمة المسلمين.

فإذا كان هذا حال من يقرأ القرآن محتسبا فكيف من يقرؤه بالكراء، فإن العلماء قد تنازعوا في جواز الاستئجار على تعليم القرآن والفقه والحديث والإمامة في الصلاة والأذان والحج عن الغير، فقيل: يجوز ذلك، كما هو في مذهب الشافعي ومالك قريب منه، وقيل: لا يجوز، [ ص: 133 ] كما هو مذهب أبي حنيفة وغيره، وهو أشهر الروايتين عن أحمد. وفيها قول ثالث في مذهب أحمد وغيره: إنه يجوز مع الحاجة دون الغنى، كما في ولي اليتيم ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف .

التالي السابق


الخدمات العلمية