الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 93 ] فأما اتخاذ المآتم في المصائب واتخاذ أوقاتها مآتم فليس من دين الإسلام، وهو أمر لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد من السابقين الأولين ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من عادة أهل البيت ولا غيرهم. وقد شهد مقتل علي أهل بيته، وشهد مقتل الحسين من شهده من أهل بيته، وقد مرت على ذلك سنون كثيرة وهم متمسكون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يحدثون مأتما ولا نياحة، بل يصبرون ويسترجعون كما أمر الله ورسوله، أو يفعلون ما لا بأس به من الحزن والبكاء عند قرب المصيبة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان من العين والقلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" ، وقال: "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية" ، يعني مثل قول المصاب: يا سنداه! يا ناصراه! يا عضداه! وقال: "إن النائحة إذا لم تتب قبل موتها فإنها تلبس يوم القيامة درعا من جرب وسربالا من قطران" . وقال: "لعن الله النائحة والمستمعة إليها" .

وقد قال في تنزيله: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله [ ص: 94 ] غفور رحيم . وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله ولا يعصينك في معروف بأنها النياحة ، وتبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحالقة والصالقة . والحالقة: التي تحلق شعرها عند المصيبة، والصالقة: التي ترفع صوتها عند المصيبة. وقال جرير بن عبد الله : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة. وإنما السنة أن يصنع لأهل الميت طعام، لأن مصيبتهم تشغلهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نعي جعفر بن أبي طالب لما استشهد بمؤتة فقال: "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد جاءهم ما يشغلهم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية