الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو بما لا يعلم حالا ومآلا ، ودين إن أمكن حالا ، وادعاه ، فلو حلف اثنان على النقيض : كإن كان هذا غرابا ، أو إن لم يكن فإن لم يدع يقينا : طلقت

التالي السابق


( أو ) علقه ( بما لا يعلم ) بضم التحتية وفتح اللام ( حالا ولا مآلا ) . الشارح تكرار مع قوله أو بما لا يمكن اطلاعنا عليه أعاده ليرتب عليه ما بعده .

( ودين ) بضم الدال المهملة وكسر التحتية مشددة أي وكل الزوج إلى دينه وقبل قوله ( إن أمكن ) اطلاعه عليه ( حالا وادعاه ) كحلفه أنه رأى الهلال والسماء مطبقة بالغيم ليلة ثلاثين ويحلف في القضاء دون الفتوى .

( فلو حلف ) زوجان ( اثنان ) بطلاق زوجتيهما ( على ) جنس ( النقيض ) الصادق بالنقيضين وهو المراد أو المعنى حلف كل على النقيض لما حلف عليه الآخر ( ك ) قول أحدهما ( إن كان هذا ) الطائر ( غرابا ) فزوجته طالق ( أو ) قول الآخر ( إن لم يكن ) هذا الطائر غرابا فزوجته طالق وادعى كل أنه متيقن ما حلف عليه فلا شيء عليهما ، ولا يلزم المكلف بيقين غيره ، وكقول أحدهما زوجته طالق لقد قلت لي كذا وقال الآخر زوجته طالق لم أقله لك وادعى كل منهما أنه متيقن ما حلف عليه .

( فإن لم يدعيا ) أي الزوجان الحالفان على النقيضين ( يقينا ) بأن شك كل منهما فيما حلف عليه ( طلقتا ) أي زوجتا الحالفين ، وفي نسخة فإن لم يدع يقينا طلقت بالإفراد فيهما ، أي طلقت زوجة من لم يدع اليقين سواء كان كل منها أو أحدها وأراد باليقين الجزم إذ اليقين ما لا يمكن خلافه ، ولا يشترط هنا ، وشمل كلامه الظن والشك والوهم ، وسواء تبين صدق أحدهما أو لم يتبين شيء وإن ادعيا اليقين فلا طلاق عليهما ما لم يتبين خطأ أحدهما فيحنث ، إذ اللغو لا يفيد في غير يمين الله تعالى .

ومفهوم اثنان أنه لو حلف واحد على النقيضين بطلاق زوجتيه والتبس عليه الحال وتعذر التحقيق لطلقتا إذ لا يمكنه تحقق النقيضين ، فإن تبين له صحة أحدهما لم تطلق التي تبين [ ص: 122 ] له بر يمينها وطلقت الأخرى ابن عرفة وسمع يحيى بن القاسم من قال امرأته طالق إن لم يكن فلان يعرف هذا الحق لحق يدعيه فقال المدعى عليه امرأته طالق إن كان يعرف له فيه حقا دينا جميعا ، ولا حنث على واحد منهما .

ابن رشد مثله في الأيمان بالطلاق منها والعتق الأول ولم يذكر يمينا . وروى محمد السبائي أنهما يدينان ولا يحلفان . ولعيسى عن ابن القاسم يدينان ويحلفان ، ومثله في سماع أشهب في نحو المسألة ، وهذا الاختلاف إنما هو إن طولب بحكم الطلاق وهو على الخلاف في يمين التهمة ، وإن أتيا مستفتيين فلا وجه لليمين ، وفي اختصار المبسوطة لابن رشد سئل مالك " رضي الله عنه " عمن نازع رجلا فقال أنت قلت كذا وكذا فأنكر الآخر ، فقال الأول يميني في يمينك بالطلاق ألبتة إن لم يكن ما قلته حقا ، وقال الآخر طلقت امرأته ألبتة إن كان ما ذكر حقا فقال مالك " رضي الله عنه " حنث الأول وطلقت عليه امرأته ألبتة .

وقال ابن نافع إن حلف الأول على ما استيقن فلا يحنث وفي الأيمان بالطلاق منها من قال لرجل امرأته طالق لقد قلت لي كذا فقال الآخر امرأته طالق إن كنت قلته فليدينا ويتركا إن ادعيا يقينا ، وفي عتقها الأول إن كان عبد بين رجلين فقال أحدهما إن كان دخل المسجد أمس فهو حر ، وقال الآخر إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر ، فإن ادعيا علم ما حلفا عليه دينا فيه وإن قالا لم نوقن أدخل أم لا وإنما حلفنا ظنا فليعتقاه بغير قضاء . وقال غيره يجبران على عتقه ، وعبر الصقلي عن الغير بأشهب ونقلها التونسي بلفظ حلفا على الشك بدل حلفا ظنا ، ولفظ الأم إن ادعيا علم ما حلفا عليه دينا ، وإن لم يدعيا علم ما حلفا عليه ويوهمان أنهما حلفا على الظن فإنه ينبغي أن يعتق عليهما لأنهما لا ينبغي لهما أن يسترقاه بالشك . ابن القاسم لا يقضي عليهما بذلك . سحنون وقال غيره يجبران على ذلك .




الخدمات العلمية