الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبخلاف درهم بنصف ، وفلوس أو غيره [ ص: 506 ] في بيع ; وسكا ، [ ص: 507 ] واتحدت ، وعرف الوزن ، وانتقد الجميع : كدينار إلا درهمين ، وإلا فلا ،

التالي السابق


( وبخلاف ) إعطاء ( درهم ) شرعي أو ما يروج رواجه زاد وزنه عنه أو نقص كثمن ريال ( بنصف ) أي لدرهم أي ما يروج رواج النصف زاد وزنه أو نقص ( وفلوس ) أي يدفعه ليأخذ بنصفه فضة وبباقيه فلوسا ( أو غيره ) أي المذكور من الفلوس كطعام أو عرض فيجوز ذلك بسبعة شروط . الحط تعرف هذه المسألة بمسألة الرد في الدرهم وصورتها أن يعطي درهما ويأخذ بدل نصفه فلوسا أو طعاما أو عرضا وبالنصف الباقي فضة والأصل فيها المنع لما تقدم أنه لا يجوز أن يضاف لأحد النقدين في الصرف جنس آخر ; لأنه يؤدي للجهل بالتماثل وهو كتحقق التفاضل ، لكن استثنيت من القاعدة المذكورة للضرورة . وقال مالك " رضي الله عنه " بكراهة الرد ، ثم خففه لضرورة الناس إليه ، وبذا أخذ [ ص: 506 ] ابن القاسم وهو المشهور ومنعه سحنون وأجازه أشهب حيث لا فلوس ، ومنعه في بلد فيه فلوس ، هذا طريق أكثر الشيوخ ، وجمل ابن رشد الخلاف في بلد فيه الفلوس وعلى المشهور فذكروا للجواز شروطا ، ذكر المصنف غالبها

الأول كونه في درهم واحد فلو اشترى بدرهم ونصف فلا يجوز أن يدفع درهمين ويأخذ نصفا . وإن اشترى بدرهمين ونصف فلا يجوز أن يدفع ثلاثة ويأخذ نصفا ، وعلى هذا القياس القباب الثاني أن يكون ذلك في الدرهم الواحد احترازا من أن يدفع إليه كبيرين أو ثلاثة أو أكثر ، ويسترد درهما صغيرا فيرجع إلى أصل المنع نص عليه ابن رشد ، ونقله عياض عن ابن أبي زمنين ، وهذا الشرط يستفاد من قوله بخلاف درهم ويستفاد منه حكم آخر وهو أنه لا يجوز الرد في الدنيا وهذا هو معروف المذهب . ابن ناجي والمعروف منع رد الذهب في مثله ، ونقل بعضهم جواز الرد فيه ولم يوجد لغيره . ابن عرفة عقب نقل منع الرد في الدينار . وقلت نقل بعضهم جوازه فيه لا أعرفه وأفتى بعض عدول بلدنا المدرسين بجوازه فيه فبعث إليه القاضي ابن عبد السلام فسأله عن ذلك فأنكر فتواه به . الشرط الثاني : كون المردود نصفا فأقل فلا يجوز ردا أكثر من النصف خلافا لأشهب ، وقولها وإن أخذت بثلثه أي الدرهم طعاما وباقيه فضة فمكروه ا هـ .

قال أبو الحسن أي حرام ، وفي الأمهات لا يجوز ، وأفاده المصنف بقوله بنصف . الثالث كونه : ( في بيع ) أو ما في معناه من إجارة أو كراء فلا يجوز في هبة ولا صدقة ولا قرض . القباب إنما يجوز الرد في الكراء والإجارة بعد استيفاء جميع المنفعة فلا يجوز أن يعطي نعله أو دلوه لمن يخرزه على أن يعطيه درهما كبيرا ، ويرد إليه العامل درهما صغيرا ويترك عنده شيئا حتى يصنعه ، ويجوز ذلك بعد تمام العمل إن لم يدخلا عليه في أصل العقد . الرابع قوله : ( وسكا ) بضم السين المهملة وشد الكاف أي الدرهم والنصف ، فلا يجوز في غير مسكوكين ولا في مسكوك وغيره . [ ص: 507 ] الخامس قوله : ( واتحدت ) سكة الدرهم ونصفه الحط انظر ما معنى هذا الشرط وما المراد منه هل هو كونهما سكة ملك واحد أو سكة مملكة واحدة وإن تعددت الملوك إذا كان التعامل بين الناس بتلك السكك ، أو ولو كان الدرهم سكة ملك والنصف سكة ملك آخر وجرى التعامل بين الناس بأن هذا نصف هذا ، وعلى هذا تدل فتاوى المتأخرين ، واحترزوا به من دفع درهم من سكة لا يتعامل بها ورد نصفه من سكة يتعامل بها وعكسه ، أو من سكتين لا يتعامل بهما فلا يجوز ; لأنه إنما أجيز للضرورة ولا ضرورة في هذه الصور .

السادس قوله : ( وعرف ) بضم فكسر ( الوزن ) للدرهم ونصفه . القباب من شرط الرد معرفة الوزن وإلا كان بيع الفضة بالفضة جزافا ولا خفاء في منعه . الحط انظر ما المراد بهذا الشرط هل هو كون وزن النصف قدر وزن نصف الدرهم ، أو المراد معرفة وزنهما وإن زاد وزن النصف عن وزن نصف الدرهم أو نقص عنه والظاهر الأول لاختلاف المتأخرين فيما إذا كان وزن النصف أكثر من وزن نصف الدرهم ، ولكنه لا يخرج إلا بنصف درهم فمنهم من أجازه اعتبارا بالنفاق ، ومنهم من منعه اعتبارا بالوزن والظاهر الجواز ; لأن أصل هذا الباب الضرورة ، فإذا جرى التعامل بأن هذا نصف هذا فلا عبرة بزيادة وزنه مع تحقق الضرورة للرد ، ولذا لم يذكر ابن عرفة هذا الشرط ولا الذي قبله .

السابع قوله : ( وانتقد ) بضم الفوقية وكسر القاف أي عجل ( الجميع ) أي الدرهم ومقابله من النصف والفلوس أو غيرها فلا يجوز مع تأخير شيء منها ( ك ) بيع سلعة ( بدينار إلا درهمين ) في الجواز إن تعجل الجميع أو السلعة وتأجل النقدان . قال في التوضيح الشرط الخامس أن ينقد الجميع وإن تأخر أحد النقدين جرى على الخلاف في مسألة الدرهم والدرهمين إذا تأخر أحد النقدين . طفي هذا الذي أراد في مختصره لكن [ ص: 508 ] لم أر هذا الإجراء لغيره لا في ابن عبد السلام ولا ابن عرفة ولا غيرهما ، بل صرح ابن عرفة بشرط المناجزة في الرد ، ولذا حاد في الشامل عنه فقال وجاز للضرورة درهم بنصف فأقل وفلوس أو طعام في بيع إن عجل الجميع . ا هـ . وقد أطبق من يعتد به من الشارحين على أنه لا بد في مسألة الرد من نقد الجميع ، ولذا قال في المواق ومن شرط الرد كون الجميع نقد الدرهم الكبير وعوضه وهو السلعة والدرهم الصغير ، فإن تأخر شيء منها فلا يجوز فهذا بخلاف من اشترى سلعة بدينار إلا درهمين فكان خليل في غنى عن الإتيان بمسألة الدينار إلا درهمين إذ تقدمت له وهي مخالفة لمسألة الرد . ا هـ . " غ " صوبه شيخنا الفقيه الحافظ أبو عبد الله القوري بقوله ( وإلا فلا ) كدينار ودرهمين أي وإن لم تتوفر الشروط فلا يجوز الرد في الدينار ولا في الدرهمين فأكثر .




الخدمات العلمية