الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو آخر امرأة ، وصوب وقوفه عن [ ص: 65 ] الأولى حتى ينكح ثانية ، ثم كذلك ، وهو في الموقوفة كالمولي واختاره إلا الأولى

التالي السابق


( أو ) قال ( آخر امرأة ) أتزوجها طالق فلا شيء عليه . ابن القاسم لأنه كمن عم جميع النساء لأنه كلما تزوج امرأة احتمل أن تكون آخرا ، فلو فرق بينه وبينها لم يستقر ملكه على امرأة ، هذا هو المذهب وما بعده ضعيف وهو قوله ( وصوب ) بضم الصاد المهملة وكسر الواو مشددة ( وقوفه ) أي منع الحالف ( عن ) وطء الزوجة [ ص: 65 ]

( الأولى ) بضم الهمز أي التي تزوجها أولا ( حتى ينكح ) أي يتزوج زوجة ( ثانية ) فيحل له وطء الأولى ( ثم ) يمنع من وطء الثانية ( كذلك ) أي منعه من وطء الأولى حتى ينكح ثالثة فيحل له وطء الثانية ، وهكذا أبدا ، وهذا قول سحنون وصوبه ابن راشد ، وظاهره إيقافه . ولو قال أنا لا أتزوج أبدا والظاهر أنه عمل بقوله لأنه ضرر عليها .

( و ) إن تضررت المرأة الموقوف عنها من ترك وطئها ورفعته ف ( هو ) أي القائل آخر امرأة إلخ ( في ) المرأة ( الموقوفة ) عن القائل صلة كاف التشبيه في قوله ( كالمولي ) بضم الميم وكسر اللام أي الحالف على ترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر وهو حر أو أكثر من شهرين وهو عبد في ضرب أجل الإيلاء من يوم الرفع لأنه لم يحلف على ترك الوطء ، فإذا انقضى ولم ترض بالإقامة معه بدون وطء طلق عليه ، والأولى تأخير هذا عن قول اللخمي الآتي ليفيد رجوعه إليه أيضا . وإذ مات زمن الإيقاف فلها نصف الصداق ولا ترثه لتبين أنها مطلقة قبل البناء ولا عدة عليها ، ويلغز بها فيقال مات زوج عن زوجة حرة مسلمة بنكاح صحيح بصداق مسمى وأخذت نصفه ولا ترثه ولا تعتد منه . ابن الماجشون إن تزوج امرأة فماتت وقف إرثه منها فإن تزوج أخذه وتكمل صداقها وإلا فلا ويلغز بها من ثلاثة أوجه .

( واختاره ) أي اللخمي الإيقاف عن السابقة حتى يتزوج بعدها في كل سابقة ( إلا في ) الزوجة ( الأولى ) بضم الهمز فلا يوقف عنها لأنه لما قال آخر امرأة علم أنه لم يعلق طلاق الأولى . ابن عرفة ولو قال آخر امرأة أتزوجها طالق ففي لغوه ولزومه قولا ابن القاسم ومحمد مع سحنون ، وعليه يوقف عن الأولى حتى يتزوج غيرها فتحل له ، وكذا الثانية والثالثة . زاد ابن سحنون ولم وقف عنها رفعه لعدم وطئه لقدرته عليه بتزوج ثانية ولها بثالثة ولها رابعة . ابن رشد نحوه لابن الماجشون قال وإن ماتت من وقف عنها وقف ميراثه منها ، فإن تزوج ثانية أخذه ، وإن مات قبل أن يتزوج رد لورثتها وإن طلق عليه بالإيلاء فلا رجعة له لعدم بنائه . [ ص: 66 ] الشيخ إن مات في الوقف قبل بنائه فلا ترثه ولها نصف المهر فقط ولا عدة لوفاته ، ثم قال واعترض ابن دحون قول سحنون بأن قال إذا وقف عن وطء الأولى ثم تزوج لم يبح له وطء الأولى حتى يطأ الثانية ، كمن قال أنت طالق إن لم أتزوج عليك فيمنع منها حنى يتزوج غيرها ويطأ ليبر في يمينه ، وليس له وطء الثانية لاحتمال أنها آخر امرأة يتزوجها فهو ممنوع من وطء الثانية حنى يتزوج ثالثة ، وكذا يلزم في الثالثة والرابعة ، فلا يتم له وطء ألبتة .

ابن رشد هذا اعتراض غير صحيح وهل فيه الشيخ على رسوخ علمه وثاقب ذهنه ، ولا معصوم من الخطإ إلا من عصمه الله تعالى ، لأن المسألة ليست كمسألة من قال أنت طالق إن لم أتزوج عليك ، وإنما هي كمسألة من قال إن تزوجت عليك فهي طالق لأنه لم يطلق إلا الثانية لا الأولى فوجب أن تطلق بأقل ما يقع على اسم زواج وهو العقد على قولهم الحنث يدخل بأقل الوجوه ، والبر إنما يكمل بأكمل الوجوه . قلت الأظهر ما قاله ابن دحون وبيانه إن تزوج الثانية ، أما أن يوجب طلاقا أو عدم وقوعه بيمين به والأول باطل اتفاقا فتعين الثاني ، وكل تزويج يوجب عدم وقوع طلاق بيمين به مشروط بالبناء فيه أصله الحالف بالطلاق ليتزوجن ، وقول ابن رشد فوجب أن تطلق بأقل ما يقع عليه اسم زواج وهم للاتفاق على أن التزوج في المسألة لا يوجب طلاقا ما لم يتيقن كونه آخرا ، والفرض عدم تيقنه ، وإنما يقع بعدم تيقنه في حكم الإيلاء ا هـ .

البناني وقد يجاب بحث ابن دحون بأن التزوج في مسألة سحنون المذكورة وإن كان موجبا لعدم الطلاق في الأولى كمسألة إن لم أتزوج عليك إلخ ، لكن القياس عليها لا يصح لأن مسألة إن لم أتزوج يمين مقصود بها إغاظة المخاطبة وهي لا تحصل إلا بوطء الثانية بخلاف مسألتنا فإن المقصود منها تبين أن الزوجة السابقة ليست آخر امرأة ، وذلك يحصل بمجرد العقد على أخرى بعدها من غير توقف على الوطء ، وليس فيها يمين حتى يقال البر لا يحصل إلا بأكمل الوجوه ، وإن قال أول امرأة يتزوجها طالق [ ص: 67 ] وآخر امرأة أتزوجها طالق لزمه في الأولى وفي الثانية قولا ابن القاسم وسحنون لا اختيار اللخمي .




الخدمات العلمية