الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولم يكن يعرف مجلسه من مجلس أصحابه لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس وما رؤي قط مادا رجليه بين أصحابه حتى لا يضيق بهما على أحد إلا أن يكون المكان واسعا لا ضيق فيه وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة وكان يكرم من يدخل عليه ، حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع ، يجلسه عليه وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل وما استصفاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه ، حتى يعطي كل من جلس إليه نصيبه ، من وجهه ، حتى كان مجلسه ، وسمعه ، وحديثه ولطيف محاسنه وتوجهه للجالس إليه ، ومجلسه مع ذلك مجلس حياء وتواضع وأمانة قال الله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم ، واستمالة لقلوبهم ويكني من لم تكن له كنية فكان يدعى بما كناه به .

التالي السابق


(ولم يكن يعرف مجلسه من مجالس أصحابه) روى أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة، وأبي ذر : "كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل" ، الحديث; (لأنه كان حيث انتهى به المجلس جلس) ، رواه الترمذي في الشمائل في حديث علي الطويل .

(وما رؤي) ـ صلى الله عليه وسلم ـ (قط مادا رجليه بين أصحابه حتى يضيق بهما على أحد إلا أن يكون المكان واسعا لا ضيق فيه) ، قال العراقي : رواه الدارقطني في غرائب مالك، من حديث أنس، وقال: باطل، والترمذي وابن ماجه : لم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له، زاد ابن ماجه قط ، وسنده ضعيف [ ص: 111 ] (وكان) ـ صلى الله عليه وسلم ـ (أكثر ما يجلس مستقبل القبلة) ، وكان يحث أصحابه بذلك، ويقول: أكرم المجالس ما استقبل به القبلة، كما رواه الطبراني في الأوسط، وابن عدي من حديث ابن عمر، (وكان) ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يكرم من يدخل عليه، حتى ربما بسط ثوبه لمن ليست بينه وبينه قرابة ولا رضاع، يجلسه عليه) ; إكراما له وتأليفا لقلبه .

روى الحاكم وصحح إسناده من حديث أنس، دخل جرير بن عبد الله على النبي ـ صلى الله عليه وسلم- وفيه: فأخذ بردته ، فألقاها إليه، فقال: اجلس عليها يا جرير" الحديث ، وفيه: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه".

وقد تقدم في الباب الثالث من آداب الصحبة، وللطبراني في الكبير من حديث جرير فألقى إلي كساءه"، ولأبي نعيم في الحلية فبسط إلي رداءه، وأما من بينه وبينه قرابة، فروى الخرائطي في مكارم الأخلاق عن محمد بن عمير بن وهب خال النبي ـ صلى الله عليه وسلم- أن عميرا ، يعني أباه جاء والنبي ـ صلى الله عليه وسلم قاعد، فبسط له رداءه، فقال: اجلس على ردائك يا رسول الله ؟ قال: نعم، فإنما الخال والد"، وإسناده ضعيف، ويروى عن القاسم عن عائشة أن الأسود بن وهب خال النبي ـ صلى الله عليه وسلم- استأذن عليه، فقال: يا خال، ادخل، فبسط رداءه"، وكذا وقع لأمه وأبيه وأخيه من الرضاعة، كما هو مذكور في السير .

(وكان) ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تكون تحته) ، وهي المفرشة لا المخدة، (فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يفعل) ، أي يقبل ، تقدم في الثالث من آداب الصحبة، (وما استصفاه أحد إلا ظن أنه أكرم الناس عليه، حتى يعطي كل من جلس إليه نصيبه، من وجهه، حتى كان مجلسه، وسمعه، وحديثه ولطيف مجلسه وتوجهه للجالس إليه، ومجلسه مع ذلك مجلس حياء وتواضع وأمانة) .

رواه الترمذي في الشمائل في حديث علي الطويل، وفيه: "ويعطي كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه"، وفيه: "ومجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة"، (قال) الله (تعالى) ممتنا عليه في كتابه العزيز ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) فحلاه بحسن الأخلاق، ثم امتن عليه بذلك ، يقال رجل فظ غليظ القلب، أي شديد، وقد فظ فظاظة: إذا غلظ حتى يهاب في غير موضعه، والانفضاض التفرق، (ولقد كان) ـ صلى الله عليه وسلم ـ (يدعو أصحابه بكناهم إكراما لهم، واستمالة لقلوبهم) .

ففي الصحيحين في قصة الغار من حديث أبي بكر، يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما"، ولأبي يعلى الموصلي، من حديث سعد بن أبي وقاص، فقال: من هذا؟ أبو إسحاق، فقلت: نعم .

(ويكني من لم تكن له كنية) بأكبر أولاده، وتارة وإن لم يولد له، (فكان يدعى بما كناه به) تبركا بكنيته الشريفة، روى الحاكم من حديث ابن عباس، أنه قال لعمر : يا أبا حفص، أبصرت وجه عم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- قال عمر: إنه لأول يوم كناني فيه بأبي حفص وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي الصحيح، أنه قال لعلي: يا أبا تراب"، وللحاكم من حديث رفاعة بن مالك، أن أبا حسن، وجد مغصا في بطنه" الحديث، يريد عليا، وله أيضا من حديث ابن مسعود، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم- كناه أبا عبد الرحمن، ولم يولد له، وروى الثرم من حديث أنس قال: "كناني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم-، ببقلة، كنت أجتنيها، يعني أبا خمرة"، قال: حديث غريب .

ولابن ماجه أن عمر قال لصهيب : ما لك تكتني، وليس لك ولد؟، قال: كناني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- بأبي يحيى، وللطبراني من حديث أبي بكرة: "تدليت ببكرة من الطائف، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم- فأنت أبو بكرة".




الخدمات العلمية