الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعن الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو قال : بعث إلي أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل فأتيته فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلافة رد علي واستجلسني ثم قال لي : ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي ؟ قال قلت : وما الذي تريد يا أمير المؤمنين ، قال : أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم قال فقلت : فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئا مما أقول لك، قال : وكيف أجهله وأنا أسألك عنه وفيه وجهت إليك وأقدمتك له ، قال قلت : أخاف أن تسمعه ثم لا تعمل به ، قال : فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف ، فانتهره المنصور ، وقال : هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة ، فطابت نفسي وانبسطت في الكلام .

فقلت : يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن بشر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه ، فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثما ويزداد الله بها سخطا عليه يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن بشر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيما وال مات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة .

يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله ، إن الله هو الحق المبين إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ، كان بهم رؤوفا رحيما مواسيا لهم بنفسه في ذات يده محمودا عند الله ، وعند الناس فحقيق بك ، أن تقوم له فيهم بالحق، وأن تكون بالقسط له فيهم قائما، ولعوراتهم ساترا لا تغلق عليك دونهم الأبواب، ولا تقيم دونهم الحجاب تبتهج بالنعمة عندهم وتبتئس بما أصابهم من سوء يا أمير المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم وأسودهم مسلمهم وكافرهم وكل له عليك نصيب من العدل ، فكيف بك إذا انبعث منهم فئام وراء فئام وليس منهم أحد إلا وهو يشكو بلية أدخلتها عليه أو ظلامة سقتها إليه ، يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم قال : كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويروع بها المنافقين، فأتاه جبرائيل عليه السلام فقال له : يا محمد ما هذه الجريدة التي كسرت بها قلوب أمتك وملأت قلوبهم رعبا فكيف بمن شقق أبشارهم وسفك دماءهم وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم وغيبهم الخوف منه يا أمير المؤمنين. حدثني مكحول عن زياد عن حارثة عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص من نفسه في خدش خدشه أعرابيا لم يتعمده فأتاه جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا ولا متكبرا .

فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي فقال : اقتص مني فقال الأعرابي : قد أحللتك بأبي أنت وأمي وما كنت لأفعل ذلك أبدا ، ولو أتيت على نفسي
.

فدعا له بخير يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك ، وخذ لها الأمان من ربك ، وارغب في جنة عرضها السماوات والأرض التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقيد قوس أحدكم من الجنة خير له من الدنيا وما فيها يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك ، وكذا لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك .

يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، قال : الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك فكيف بما عملته الأيدي وحصدته الألسن ، يا أمير المؤمنين ، بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخشيت أن أسأل عنها فكيف بمن حرم عدلك ، وهو على بساطك ، يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قال الله تعالى في الزبور : يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما هوى فلا تتمنين في نفسك أن يكون الحق له فيفلح على صاحبه فأمحوك عن نبوتي ثم لا تكون خليفتي ولا كرامة ، يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة ليجبروا الكسير ، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء .

يا أمير المؤمنين إنك قد بليت بأمر لو عرض على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه يا أمير المؤمنين ، حدثني يزيد بن جابر عن عبد الرحمن بن عمرة الأنصاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل رجلا من الأنصار على الصدقة ، فرآه بعد أيام مقيما فقال له : ما منعك من الخروج إلى عملك أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله ، قال : لا ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من وال يلي شيئا من أمور الناس إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه لا يفكها إلا عدله فيوقف على جسر من النار ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يعاد فيحاسب ، فإن كان محسنا نجا بإحسانه وإن كان مسيئا انخرق به ذلك الجسر ، فيهوي به في النار سبعين خريفا فقال له عمر رضي الله عنه : ممن سمعت هذا ؟ قال : من أبي ذر وسلمان فأرسل إليهما عمر فسألهما فقالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : واعمراه من يتولاها بما فيها ، فقال أبو ذر رضي الله عنه : من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض .

قال فأخذ المنديل فوضعه على وجهه ثم بكى وانتحب حتى أبكاني .

ثم قلت : يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس النبي صلى الله عليه وسلم إمارة مكة أو الطائف أو اليمن ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا عباس يا عم النبي نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها نصيحة منه لعمه وشفقة عليه ، وأخبره أنه لا يغني عنه من الله شيئا إذ أوحى الله إليه وأنذر عشيرتك الأقربين فقال يا عباس ويا صفية عمة النبي ، ويا فاطمة بنت محمد إني لست أغني عنكم من الله شيئا إن لي عملي ولكم عملكم
.

التالي السابق


(و) روي (عن الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو) بن أبي عمرو إمام أهل الشام في زمانه في الفقه والحديث، وكان يسكن دمشق خارج باب الغراديس بمحلة الأوزاع ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطا إلى أن مات بها سنة 157 من آخر خلافة أبي جعفر المنصور، وكان قد جمع العبادة والورع بالحق (قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وأنا بالساحل) أي ساحل بيروت (فأتيته فلما وصلت إليه) وسلمت عليه بالخلافة رد علي السلام، (واستجلسني) أي طلب مني الجلوس، (ثم قال لي: ما الذي أبطأ بك عني يا أوزاعي؟ قال قلت: وما الذي يريد أمير المؤمنين، قال: أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم فقلت: فانظر يا أمير المؤمنين أن لا تجهل شيئا مما أقول لك، قال: وكيف أجهله وأنا أسألك عنه وفيه وجهت إليك وأقدمتك له، قال قلت: أخاف أن تسمعه ثم لا تعمل به، قال: فصاح بي الربيع) يعني حاجبه (وأهوى بيده إلى السيف، فانتهره المنصور، وقال: هذا مجلس مثوبة لا مجلس عقوبة، فطابت نفسي وانبسطت في الكلام فقلت: يا أمير المؤمنين حدثني مكحول) هو ابن مسلم الشامي أبو عبد الله فقيه الشام، وكانت داره بدمشق عند طرق سوق الأحد ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام رأى أبا أمامة الباهلي وأنسا وسمع واثلة وغيره مات سنة 113 روى له مسلم والأربعة (عن عطية بن بشر) المازني صحابي وهو أخو عبد الله بن بشر روى عنه مكحول وسليم بن عامر روى له أبو داود وابن ماجه (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما عبد جاءته من الله موعظة) وهي التذكير بالعواقب (في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه، فإن قبلها بشكر) زاده الله من تلك النعم (وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد بها إثما ويزداد الله عليه بها سخطا) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء وفيه أحمد بن عبيد بن ناصح اهـ .

قلت: ورواه كذلك أبو نعيم في الحلية وابن عساكر في التاريخ والبيهقي في الشعب، وقد وقع في نسخ الجامع الصغير للجلال السيوطي عن عطية بن قيس وهو غلط، والصواب عطية بن بشر كما ذكرنا ولم ينتبه لها الشارح (يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عطية بن بشر) رضي الله عنه (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما وال بات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء وابن عدي في الكامل في ترجمة أحمد بن عبيد اهـ .

قلت: وكذلك رواه البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في التاريخ، وروى ابن عساكر من حديث معقل بن يسار: أيما راع غش رعيته فهو في النار (يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله، إن الله هو الحق المبين إن الذي لين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمورهم لقرابتكم من نبيكم صلى الله عليه وسلم، فقد كان بهم رؤوفا رحيما مواسيا بنفسه لهم في ذات يده محمودا عند الله، وعند الناس، لحقيق أن تقوم له فيهم بالحق وأن تكون بالقسط) أي العدل (له فيهم قائما ولعوراتهم ساترا لا يغلق عليك دونهم الأبواب، ولا تقيم دونهم الحجاب تبتهج بالنعمة عندهم وتبتئس) أي تحزن (بما أصابهم من سوء يا أمير المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم أحمرهم وأسودهم مسلمهم وكافرهم وكل له عليك [ ص: 75 ] نصيب من العدل، فكيف بك إذا انبعث منهم فئام) بكسر الفاء أي جماعة (وراء فئام) أي وراء جماعة، (ليس منهم أحد إلا يشكو بلية أدخلتها عليه أو ظلامة سقتها إليه، يا أمير المؤمنين حدثني مكحول عن عروة بن رويم) اللخمي الأزدي أبي القاسم روى عن أبي أدريس الخولاني وعدة، وله مقاطيع ويرسل كثيرا وعنه الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وخلق وثق، وفي موته أقوال الصحيح أنه سنة 135 ، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه، (قال: كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يستاك بها ويروع بها) أي يخوف (المنافقين، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: يا محمد ما هذه الجريدة التي كسرت بها قلوب أمتك وملأت قلوبهم رعبا) أي خوفا .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء وهو مرسل، وعروة ذكره ابن حبان في ثقات التابعين اهـ .

قلت: وكذلك رواه البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في التاريخ (فكيف بمن شقق أبشارهم) أي جلودهم (وسفك دماءهم وخرب ديارهم وأجلاهم عن بلادهم وغشيهم الخوف منه يا أمير المؤمنين .

حدثني مكحول عن زياد بن جارية) بالجيم التميمي الدمشقي، ويقال زيد، ويقال يزيد له صحبة، وثقه النسائي روى له عن حبيب بن مسلمة، وعنه مكحول وعطية بن قيس، روى له أبو داود وابن ماجه. قال الذهبي: أنكر تأخير الجمعة إلى العصر فأدخل الخضراء وذبح وذلك في زمن الوليد بن عبد الملك، (عن حبيب بن مسلمة) بن مالك بن وهب القرشي الفهري المكي مختلف في صحبته نزل الشام، والراجح ثبوت صحبته لكنه كان صغيرا، وله ذكر في الصحيح في حديث ابن عمرو مع معاوية روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي ذر وعنه زياد بن جارية وابن أبي مليكة، قيل شهد اليرموك أميرا روى له أبو داود وابن ماجه، مات بأرمينية أميرا عليها لمعاوية سنة 142، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا إلى القصاص في خدشة خدش) وفي نسخة في خدشة خدشه (أعرابيا لم يتعمده) أي لم يقصد خدشه عمدا، (فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله لم يبعثك جبارا ولا متكبرا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي فقال: اقتص مني فقال الأعرابي: قد أحللتك بأبي أنت وأمي ما كنت لأفعل ذلك أبدا، ولو أتيت على نفسي فدعا له بخير) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء، وروى أبو داود والنسائي من حديث عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتص من نفسه، وللحاكم من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه: طعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرة أسيد بن حضير فقال: أوجعتني قال: اقتص. الحديث. قال صحيح الإسناد اهـ .

قلت ورواه كذلك من سياق ابن أبي الدنيا البيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في التاريخ، (يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك، وخذ لها الأمان من ربك، وارغب في جنة عرضها السموات والأرض التي يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيد قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء من رواية الأوزاعي معضلا لم يذكر إسناده، ورواه البخاري من حديث أنس بلفظ لقاب اهـ .

قلت: وجدت بخط الحافظ السخاوي على طرة هذا الكتاب بل الراوي شك هل قال: قاب أو قيد اهـ .

ولفظ الحلية هنا لقاب، وروى أحمد عن أبي هريرة مرفوعا: لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض، (يا أمير المؤمنين إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك، وكذا لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك، يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك) عبد الله بن عباس يا ويلتنا (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، قال: الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك) ، هكذا أخرجه ابن مردويه وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: الصغيرة التبسم بالاستهزاء بالمؤمنين والكبيرة القهقهة بذلك، (فكيف بما عملته الأيدي وحصدته الألسن، يا أمير المؤمنين، بلغني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو ماتت سخلة) قال تطلق على الذكر والأنثى من أولاد الضأن [ ص: 76 ] والمعز ساعة تولد والجمع سخال (على شاطئ الفرات) بالعراق (لخشيت أن أسأل عنها) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية فقال حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو شعيب الحراني حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي حدثنا الأوزاعي حدثني داود بن علي قال: قال عمر: لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة، (فكيف بمن حرم عدلك، وهو على بساطك، يا أمير المؤمنين أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك) عبد الله بن عباس ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله قال: يا داود إذا أقعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما هوى) أي ميل نفس (فلا تميلن نفسك) وفي نسخة فلا تتمنى في نفسك (أن يكون الحق له فيفلح على صاحبه) أي يفوز ويظفر (فأمحوك من) ديوان (نبوتي ثم لا تكون خليفتي ولا كرامة، يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء) بالكسر جمع راع، (كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة ليجبروا الكسير، ويدلوا) أي يرشدوا (الهزيل) أي الضعيف (على الكلأ والماء، يا أمير المؤمنين إنك بليت بأمر لو عرض على السموات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه) وهي الولاية على الناس، فإنها أمانة يقلدها الإنسان في عنقه فهو مسئول عنها يوم القيامة، (يا أمير المؤمنين، حدثني يزيد بن يزيد بن جابر) الأزدي الشامي الدمشقي أخو عبد الرحمن بن يزيد، قال ابن معين والنسائي: ثقة، وقال أبو داود: هو من ثقات الثقات، أجازه الوليد بخمسين ألف دينار، وذكر للقضاء فإذا هو أكبر من القضاء، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وكان من خيار عباد الله، وهو من أمثل أصحاب مكحول قال الهيثم بن عدي: مات في خلافة أبي العباس، قال: ولا أظنه إلا قد أدرك أبا جعفر، وقال خليفة وغيره: مات سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقال ابن سعد: سنة أربع، روى له مسلم حديثا واحدا وأبو داود والترمذي وابن ماجه، (عن عبد الرحمن بن عمرة الأنصاري) كذا في النسخ وتبعه العراقي سهوا والصواب عن عبد الرحمن بن أبي عمرة كذا هو في نسخ الحلية، وهو الأنصاري البخاري المدني القاضي، واسم أبي عمرة عمرو بن محصن قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات، وروى له الجماعة، وقال الذهبي في الكاشف: روى عن عثمان وعبادة وعن شريك بن أبي نمر وعبد الرحمن بن أبي الموالي، (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (استعمل رجلا من الأنصار على الصدقة، فرآه بعد أيام مقيما فقال له: ما منعك من الخروج إلى عملك أما علمت أن لك مثل أجر المجاهد في سبيل الله، قال: لا، قال: وكيف ذلك؟ قال: إنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من وال يلي شيئا من أمور الناس إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه فيوقف على جسر من النار) ، يحتمل أنه أراد به الصراط ويحتمل غيره والواقف به بعض الملائكة أو الزبانية (ينتفض به ذلك الجسر انتفاضة تزيل كل عضو منه عن موضعه ثم يعاد ليحاسب، فإن كان محسنا نجا بإحسانه وإن كان مسيئا انخرق به ذلك الجسر، فيهوي به في النار سبعين خريفا) لأنه لما خرق حرمة من قلده الله أمره من عباده واستهان بهم، وخان فيما جعل أمينا عليه ناسب أن ينخرق به الجسر والجزاء من جنس العمل، وهذا وعيد شديد وتهديد ليس عليه مزيد، (فقال له عمر: ممن سمعت هذا؟ قال: من أبي ذر وسلمان) رضي الله عنهما، (فأرسل إليهما عمر فسألهما فقالا نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: واعمراه من يتولاها بما فيها، فقال أبو ذر: من سلت الله أنفه وألصق خده بالأرض) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء من هذا الوجه، ورواه الطبراني من رواية سويد بن عبد العزيز عن سفيان بن الحكم عن أبي وائل، أن عمر استعمل بشر بن عاصم فذكره أخصر منه، وإن بشرا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه سلمان اهـ .

قلت ومن الوجه الذي رواه ابن أبي الدنيا رواه البيهقي في الشعب، وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في التاريخ، وأما حديث بشر بن عاصم فرواه ابن عساكر في التاريخ [ ص: 77 ] مرفوعا بلفظ: أيما وال ولي من أمور المسلمين شيئا وقف به على جسر جهنم، فيهتز به الجسر حتى يزول كل عضو منه.

وفي أمالي أبي القاسم بن بشران من حديث علي: أيما وال ولي أمر أمتي بعدي أقيم على الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلا نجاه الله بعدله وإن كان جائرا انتفض به الصراط انتفاضة تزايل بين مفاصله حتى يكون بين عضوين من أعضائه مسيرة مائة عام، ثم يتخرق الصراط فأول ما يتقي به أنفه وحر وجهه، (قال فأخذ) أبو جعفر (المنديل فوضعه في وجهه ثم بكى وانتحب حتى أبكاني، ثم قلت: يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس) بن عبد المطلب رضي الله عنه (النبي صلى الله عليه وسلم إمارته على مكة والطائف أو اليمن، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عباس يا عم النبي نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا في مواعظ الخلفاء هكذا معضلا بغير إسناد، ورواه البيهقي من حديث جابر متصلا ومن رواية ابن المنكدر مرسلا قال: هذا هو المحفوظ مرسل اهـ .

قلت: ورواه هكذا معضلا البيهقي في الشعب، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في التاريخ، ورواه ابن سعد كذلك عن محمد بن المنكدر مرسلا، وكذلك عن الضحاك بن حمزة مرسلا .

وأما المعضل فمن رواية ابن المنكدر عن جابر (نصيحة منه لعمه وشفقة عليه، وأخبره أنه لا يغني عنه من الله شيئا إذ أوحى الله إليه وأنذر عشيرتك الأقربين فقال) صلى الله عليه وسلم: (يا عباس ويا صفية عمة النبي، ويا فاطمة ابنة محمد إني لست أغني عنكم من الله شيئا لي عملي ولكم عملكم) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا هكذا معضلا، ورواه البخاري من حديث أبي هريرة متصلا دون قوله: لي عملي ولكم عملكم. اهـ .

قلت: ورواه معضلا كذلك في الشعب، وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر في التاريخ، ورواه أحمد وابن سعد والطبراني من طريق علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله علمني شيئا ينفعني الله به، قال: يا عباس أنت عمي، وإني لا أغني عنك من الله شيئا، ولكن سل ربك العفو والعافية.

وروى البيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ: يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك من النار، فإني لا أملك لك شيئا يا صفية بنت عبد المطلب، يا صفية عمة رسول الله اشتري نفسك من النار، ولو بشق تمرة يا عائشة لا يرجع من عندك سائل ولو بظلف محرق.

وروى البزار من طريق سماك بن حذيفة عن أبيه رفعه قال: يا فاطمة بنت رسول الله اعملي لله خيرا، فإني لا أغني عنك من الله شيئا يوم القيامة، يا عباس يا عم رسول الله اعمل لله خيرا، فإني لا أغني عنك من الله شيئا يوم القيامة. الحديث .

وقال البزار: لا نعلم لحذيفة ابنا يقال له سماك إلا في هذا الإسناد، وروى الترمذي من حديث عائشة وقال: حسن غريب بلفظ: يا صفية بنت عبد المطلب، يا فاطمة بنت محمد، يا بني عبد المطلب إني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم.




الخدمات العلمية