الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : لو أفاء الله علي نعما عدد هذا الحصى لقسمتها بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا .

وقال صلى الله عليه وسلم ، وكان متكئا ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين ثم قعد وقال ألا : وقول الزور وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد ليكذب الكذبة ليتباعد الملك عنه مسيرة ميل من نتن ما جاء به وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم : تقبلوا إلي بست أتقبل لكم بالجنة، فقالوا : وما هن ؟ قال : إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا ائتمن فلا يخن وغضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن للشيطان كحلا ولعوقا ونشوقا أما لعوقه فالكذب وأما نشوقه فالغضب وأما كحله فالنوم وخطب عمر رضي الله عنه يوما فقال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كقيامي هذا فيكم ، فقال : أحسنوا إلى أصحابي ، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل على اليمين ولم يستحلف ويشهد ولم يستشهد وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين .

وقال صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين بإثم ليقتطع بها مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: لو أفاء الله علي نعما) أي: إبلا، (عدد هذا الحصى) ، وفي لفظ: عدد هذه العضاه، (لقسمتها بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا) رواه مسلم ، وقد تقدم في كتاب أخلاق النبوة مبسوطا .

(وقال صلى الله عليه وسلم، وكان متكئا) على وسادة: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) ، جمع كبيرة، وهي كل ما ورد فيه وعيد شديد في الكتاب أو السنة، وإن لم يكن فيه حد، على الأصح: (الإشراك بالله) أي: الكفر به، (وعقوق الوالدين) ، أو أحدهما، وجمعهما; لأن عقوق أحدهما يستلزم عقوق الآخر غالبا، أو يجر إليه، وضابطه أن يفعل معهما ما يتأذيان به تأذيا ليس بالهين، وليس المناط وجود التأذي الكثير، بل أن يكون ذلك من شأنه أن يتأذى منه كثيرا، فإن قلت: أكبر الكبائر لا يكون إلا واحدا، وهو الشرك، فكيف التعدد ههنا، وأيضا فنحو القتل والزنا أكبر من العقوق، فلم حذفا وذكر هو؟ قلت: ادعاء أن الأكبر لا يكون إلا واحدا، إنما هو إن أريد الحقيقة، أما إن أريد بالأكبر النسبي، فهو يكون متعددا، ولا شك أن الأكبر بالنسبة إلى بقية الكبائر أمور أشار إليها صلى الله عليه وسلم بقوله: "اتقوا السبع الموبقات.." ، الحديث، وحينئذ فالأكبر ههنا لتعدده في الجواب يراد به الأمر النسبي، وإن ما ترك ذكر القتل ونحوه في هذا الحديث; لأنه علم من أحاديث أخر أن ذلك أكبر الكبائر بعد الشرك، على أنه صلى الله عليه وسلم كان يراعي في مثل ذلك أحوال الحاضرين، كقوله مرة: "أفضل الأعمال الصلاة لأول وقتها، أو لوقتها" ، وأخرى: "أفضل الأعمال الجهاد" ، وأخرى: "أفضل الأعمال بر الوالدين" . وغير ذلك من نظائر له مما لا تخفى، (ثم قعد) بعد أن كان متكئا؛ تنبيها على عظيم إثم ما يقوله، (فقال: ألا وقول الزور) ، وإنما خص بذلك لأنه يترتب عليه الزنا والقتل وغيرهما، فكان أبلغ ضررا من هذه الحيثية. قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي بكرة . اهـ .

قلت: ورواه أيضا الترمذي في الشمائل، ولفظه: "وجلس وكان متكئا فقال: ألا وشهادة الزور، أو وقول الزور" . وعند البخاري : "ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يقولها حتى قلنا: ألا ليته سكت" .

وروى البخاري أيضا من حديث أنس رضي الله عنه: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور" . (وقال ابن عمر ) رضي الله عنه: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك عنه مسيرة ميل من نتن ما جاء به ) ، قال العراقي : رواه الترمذي ، وقال: حسن غريب. اهـ .

قلت: ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت، فقال: حدثني أبو محمد عبد الله بن أيوب المخرمي ، حدثنا عبد الرحيم بن هارون أبو هشام الغساني ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، عن ابن عمر رفعه قال: "إن العبد ليكذب الكذبة فيتباعد الملك منه ميلا أو ميلين مما جاء به" .

(وقال أنس) بن مالك رضي الله عنه: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: تقبلوا لي بست) أي: تكفلوا لي بست خصال، (أتقبل لكم الجنة) ، أي: أتكفل لكم بدخولها، (قالوا: وما هن؟) وفي لفظ: وما هي؟ (قال: إذا حدث أحدكم فلا يكذب) ، أي: إلا لضرورة أو مصلحة محققة، (وإذا وعد) إنسانا بشيء، (فلا يخلف) وعده، (وإذا ائتمن) أي: جعل أمينا على سر، (فلا يخن) فيما جعل أمينا عليه، (وغضوا أبصاركم) عن النظر إلى ما لا يجوز، (وكفوا أيديكم) ، فلا تبسطوها لما لا يحل، (واحفظوا [ ص: 516 ] فروجكم) عن الزنا واللواط ومقدماتهما، والسحاق، ونحوه، ومن تكفل بالتزام هذه المذكورات فقد توقى أكثر المحرمات، فهو حري بأن يتكفل له بالجنة، قال العراقي : رواه الحاكم في المستدرك، والخرائطي في مكارم الأخلاق، وفيه سعد بن سنان ، ضعفه أحمد والنسائي ، ووثقه ابن معين ، ورواه الحاكم بنحوه من حديث عبادة بن الصامت ، وقال: صحيح الإسناد. اهـ .

قلت: ورواه كذلك ابن أبي شيبة في المصنف، وأبو يعلى والبيهقي ، وسياق المصنف هو سياق الخرائطي في مكارم الأخلاق، قال: حدثنا عباس بن محمد ، حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، حدثنا ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعد بن سنان ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه كما للمصنف سواء، وأما سياق الحاكم والبيهقي فليس فيه: "قالوا: وما هن"، وفيه: "غضوا أبصاركم" من غير واو، وأخرجه ابن أبي الدنيا مختصرا، فقال: حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني ، حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سعد بن سنان ، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا حدثتم فلا تكذبوا، وإذا ائتمنتم فلا تخونوا " ، وسعد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: ضعفوه، وفي الميزان أحاديثه واهية، وقال النسائي : منكر الحديث، ثم ساق له مما أنكر عليه هذا الخبر، وقال المنذري : رواته ثقات إلا سعد بن سنان ، وقال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح، غير أن ابن سنان لم يسمع من أنس .

وأما حديث عبادة بن الصامت من رواية الحاكم الذي أشار إليه العراقي ، فقد أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، وقال: حدثنا أبو غالب البصري محمد بن أحمد ، حدثنا أبو الربيع الزهراني ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، عن المطلب بن حنطب ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اضمنوا لي ستا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم" . ورواه كذلك أحمد وابن حبان والبيهقي .

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان كحلا) أي: شيئا يجعله في عيني الإنسان لينام، (ولعوقا) بالفتح، أي: شيئا يجعله في فيه ليندلق لسانه بالفحش، (ونشوقا) بالفتح، وهو ما ينشقه الإنسان إنشاقا، وهو جعله في أنفه ويلعقه إياه، ويدسم به أذنيه، أي: يسد، يعني أن وساوسه ما وجدت فيه منفذا دخلت فيه، (فأما لعوقه فالكذب) ، أي: المحرم شرعا، (وأما نشوقه فالغضب) ، أي: لغير الله، (وأما كحله فالنوم) ، أي: الكثير المفوت للقيام بوظائف العبادات الفرضية والنفلية، كالتهجد. قال العراقي : رواه الطبراني وأبو نعيم من حديث أنس بسند ضعيف، وقد تقدم. اهـ .

قلت: ورواه كذلك البيهقي ، وفيه عاصم بن علي ، شيخ البخاري ، قال يحيى : لا شيء، وضعفه ابن معين ، قال الذهبي ، وذكر له ابن عدي أحاديث مناكير، والربيع بن صبيح ضعفه النسائي ، وقواه أبو زرعة ، ويزيد الرقاشي قال النسائي وغيره: متروك .

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب مكايد الشيطان، والطبراني في الكبير، والبيهقي أيضا بسند ضعيف من حديث سمرة بن جندب أن للشيطان كحلا ولعوقا، فإذا كحل الإنسان من كحله نامت عيناه عن الذكر، وإذا لعقه من لعوقه ذرب لسانه بالشر .

(وخطب عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ( بالجابية ) لما قدم الشام ، والجابية موضع قرب دمشق ، (فقال) في خطبته: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم كمقامي فيكم، فقال: أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم) ، وهم التابعون لهم بإحسان، (ثم يفشو الكذب) ، أي: يظهر (حتى يحلف الرجل على اليمين ولم يحلف ويشهد) على الشيء ابتداء، (ولم يستشهد) أي: لم يطلب للشهادة. قال العراقي : رواه الترمذي وصححه، والنسائي في الكبرى، من رواية ابن عمر عن عمر . اهـ. وخطبته رضي الله عنه بالجابية طويلة مشهورة، قد نقلت من عدة طرق وتواترت .

(وقال صلى الله عليه وسلم: من حدث) ، وفي رواية لابن ماجه : من روى، (عني بحديث) ، وفي رواية: حديثا، ولفظ ابن ماجه : من روى عني حديثا، (وهو) أي: والحال أنه (يرى) بضم ففتح، أي: يظن، وبالفتح أي: يعلم (أنه كذب) بكسر فسكون، أو بفتح فكسر، (فهو أحد الكاذبين) بصيغة الجمع؛ باعتبار كثرة النقلة، وبالتثنية باعتبار المفتري والناقل عنه، وقال النووي : "يرى" ضبطناه بضم الياء، والكاذبين بكسر الباء الموحدة، وفتح النون، على الجمع، قال: وهذا هو [ ص: 517 ] المشهور في اللفظين، وقال عياض : الرواية عندنا: "الكاذبين" على الجمع، وقال الطيبي : وقوله: أحد الكاذبين، من باب: "القلم أحد اللسانين، والخال أحد الأبوين"، قال العراقي : رواه مسلم في مقدمة صحيحه من حديث سمرة بن جندب . اهـ .

قلت: وكذلك رواه الطيالسي وأحمد وابن ماجه ، وابن حبان ، كلهم من حديث سمرة ، ورواه أيضا أحمد ، وابن ماجه ، وابن جرير من حديث علي ، ورواه أيضا أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه ، وابن جرير ، من حديث المغيرة بن شعبة ، وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا شعبة ، وقيس عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب عن المغيرة بن شعبة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حدث عني بحديث وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين . وحدثنا علي بن الجعد أنبأنا شعبة عن الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى يحدث عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من روى عني حديثا، وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين" . واستنبط من الحديث أنه ليس لراوي حديث أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إن علم صحته، ويقول في الضعيف: روي، أو بلغنا، فإن روى ما علم أو ظن وضعه ولم يبين حاله، اندرج في جملة الكذابين؛ لإعانته المفتري على نشر فريته، فيشاركه في الإثم، كمن أعان ظالما، ولهذا بعض التابعين كان يهاب الرفع، ويوقف قائلا: الكذب على الصحابي أهون .

(وقال صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين) أي: محلوف يمين، (بإثم) ، وإنما قال: "على يمين" تنزيلا للحلف منزلة المحلوف؛ اتساعا، (ليقتطع بها) أي: بسبب اليمين (مال امرئ مسلم ) قيد اتفاقي احترازي، فالذمي كذلك، بل حقه أوجب رعاية؛ لإمكان أن يرضي الله المسلم المظلوم يوم الجزاء برفع درجاته، فيعفو عن ظالمه، والكافر لا يصلح لذلك، (بغير حق) شرعي، بأن يكون كذبا وزورا (لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان) ، فيعامله معاملة المغضوب عليه، فلا ينظر إليه، ولا يكلمه، أو وهو عليه غضبان أي: مريدا لعقوبته، وإذا لقيه وهو يريدها جاز بعد ذلك أن يرفع عنه بشرط ألا يكون متعلق إرادته عذاب واصب، فإن ما تعلق به وصف الإرادة لا بد من وقوعه، وغفران الجرائم أصل من أصول الدين، إما بالموازنة أو بالطول المحض، والتنوين في "غضبان" للتهويل وللإشارة إلى عظم هذه الجريمة .

قال العراقي : متفق عليه من حديث ابن مسعود. اهـ .

قلت: ولفظهما: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان" . وهكذا رواه الطيالسي في مسنده، وعبد الرزاق في المصنف، وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وابن خزيمة ، وابن الجارود ، وابن حبان ، من حديث الأشعث بن قيس ، وابن مسعود معا، وذلك أن ابن مسعود لما ذكر ذلك في مجلسه دخل الأشعث فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قالوا: كذا وكذا. قال: صدق، في نزلت، كان بيني وبين رجل مخاصمة، فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هل لك بينة؟ قلت: لا. قال: فيمينه. قلت: إذا يحلف. فقال عند ذلك.. فذكره، فنزلت: إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ، الآية، ورواه أحمد والطبراني وأبو نعيم من حديث معقل بن يسار ، ورواه الطبراني أيضا من حديث واثلة بن حجر .

وروى الحاكم وحده من حديث الأشعث بن قيس بلفظ: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم، وهو فاجر، لقي الله تعالى وهو أجذم" . ورواه الطبراني أيضا من حديثه بلفظ: "من حلف على يمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، عفا عنه أو عاقبه" .

وروى الشافعي في سننه تخريج الطحاوي والبزار من حديث معبد بن كعب عن أبيه بلفظ: "من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان. قيل: يا رسول الله، وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان سواكا من أراك" . ورواه ابن عساكر من حديث ابن مسعود بهذا اللفظ .

وروى عبد الرزاق وأحمد والحاكم والطبراني من حديث عمران بن حصين بلفظ: "من حلف على يمين مصبورة بالله كاذبا متعمدا ليقتطع بها مال امرئ مسلم، فليتبوأ مقعده من النار" .

وروى الطبراني في الكبير من حديث أبي موسى بلفظ: "من حلف على يمين يريد أن يقتطع بها حق أخيه ظالما، لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكه، وله عذاب أليم" .

وروى أحمد وعبد بن حميد ، والنسائي ، والطبراني ، والبيهقي من حديث عدي بن عميرة الكندي [ ص: 518 ] والطبراني وحده من حديث العرس بن عميرة بلفظ: "من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها حق أخيه، لقي الله وهو عليه غضبان" . ورواية: "حق امرئ" أحق بالترجيح من رواية: "مال امرئ"؛ لعمومها وشمولها غير المال، كحد قذف، ونصيب زوجة في قسم، ونحو ذلك. وقوله "وهو فيها فاجر" أقام الفجور مقام الكذب؛ ليدل على أنه من أنواعه، ورواية: "لقي الله أجذم"، وكذا: "فليتبوأ مقعده من النار" خرج مخرج الزجر والمبالغة في المنع، والمقام يقتضي التأكيد؛ إذ مرتكب هذه الجريمة قد بلغ في الاعتداء الغاية، حيث اقتطع حق امرئ لا تعلق له به، واستخف بحرمة الإسلام، ومع ذلك فلا يجرى على ظاهره، وفيه أن اقتطاع الحق يوجب دخول النار، إلا أن يبرئ صاحب الحق، أو يعفو الحق .




الخدمات العلمية