الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
واسم سيفه الذي يشهد به الحروب ذو الفقار .

وكان له سيف يقال له : المخذم .

وآخر يقال له الرسوب ، وآخر يقال له القضيب وكانت قبضة سيفه محلاة بالفضة .

التالي السابق


(واسم [ ص: 132 ] سيفه الذي) كان (يشهد به الحروب ذو الفقار) قال ابن القيم : تنفله من بدر ،وهو الذي أري فيه الرؤيا، ودخل به يوم فتح مكة، وكانت أسيافه سبعة، وهذا ألزمها له، وقال الزمخشري: سمي ذا الفقار; لأنه كانت في إحدى شفرتيه حزوز شبهت بفقار الظهر، وكان هذا السيف لمنبه بن الحجاج، أو منبه بن وهب، أو العاص بن منبه، أو الحجاج بن علاط، أو غيرهم، ثم صار عند الخلفاء العباسيين. قال العراقي : روى أبو الشيخ من حديث علي بن أبي طالب : "كان اسم سيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- ذا الفقار"، وللترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس، أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر، وللحاكم من حديث علي، في أثناء حديث وسيفه ذو الفقار، وهو ضعيف. اهـ .

وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد، فقال: أريكم سيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- ذا الفقار؟ قلنا: نعم، فجاء به، فما رأيت سيفا أحسن منه إذا نصب لم ير فيه شيء، وإذا بطح عد فيه سبع فقر، وإذا صفحتيه يمانية يحار الطرف فيه من حسنه. وقال قاسم في الدلائل: إن ذلك كان يرى في رونقه، شبيها بفقار الحية، فإذا التمس لم يوجد، وله ذكر في حديث ابن عباس الطويل، وسيأتي ذكره .

(وكان له) صلى الله عليه وسلم (سيف يقال له: المخذم) كمنبر (وآخر يقال له: رسوب، وآخر يقال له: القضيب) قال العراقي : روى ابن سعد في الطبقات من رواية مروان بن أبي سعيد بن المعلى مرسلا، قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- من سلاح بني قينقاع، ثلاثة أسياف; سيف قلعي، وسيف يدعى بتارا، وسيف يدعى الحتف، وكان عنده بعد ذلك المخذم، ورسوب، أصابهما من القلس، وفي سنده الواقدي، وذكر ابن أبي خيثمة في تاريخه، أنه يقال: إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدم المدينة، ومعه سيفان، يقال لأحدهما: القضيب شهد به بدرا اهـ .

قلت: اختلفوا في عدد سيوفه صلى الله عليه وسلم، فقيل: خمسة، وهو قول عبد الملك بن عمير، وقيل: سبعة نقله صاحب رأس مال النديم، وتقدم أيضا عن ابن القيم، وقيل: تسعة، ذكره عبد الباسط البلقيني، والمخذم، ورسوب أحد السيوف التي أهدت بلقيس لسليمان ،عليه السلام، ثم آل إلى الحارث بن شمر الغساني، وفي مفاهيم الأشراف للبلادري، في سرية علي ـ رضي الله عنه- لما توجه إلى هدم القلس، بضم القاف، وسكون اللام، اسم صنم لطيء، كان مقلدا بسيفين أهداهما إليه الحارث بن أبي شمر المخذم ورسوب وفيهما يقول علقمة بن عبدة .


مظاهر سربالي حديد عليهما عقيلا سيوف مخذم ورسوب

فأتى بهما رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- والقضيب في اللغة، هو اللطيف من السيوف، (وكان قبيعة سيفه) صلى الله عليه وسلم (من الفضة) القبيعة بالقاف كسفينة ما على طرف مقبض السيف، قال العراقي :روى أبو داود والترمذي، وقال حسن، والنسائي، وقال منكر من حديث أنس كان قبيعة سيف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم- فضة اهـ .

قلت: ولفظ الشمائل من فضة، وفي حديث ابن عباس الآتي ذكره ،كان له سيف محلى قائمته من فضة، ونصله من فضة، وفيه حلق من فضة، وكان يسمى ذا الفقار، الحديث، وأراد بالنصل الحديدة التي في أسفل قرابه، قال ابن حجر في شرح الشمائل: فيه حل تحلية آلة الحرب، بها للرجل أما بالذهب فيحرم كهما للنساء، ووقع لمن لا فقه عنده في التضبيب والتمويه بالذهب، ما لا يرضى فاحذره .

والحاصل: أن الذهب لا يحل للرجال مطلقا، لا استعمالا، ولا اتخاذا، ولا تضبيبا، ولا تمويها لا لآلة حرب، ولا لغيرها، وكذا الفضة إلا في التضبيب والخاتم، وتحلية آلة الحرب، وما وقع في بعض العبارات من حل المموه، وحرمته أخرى محمول على تفصيل علم من مجموع كلامهم ، وهو أنه إن حصل شيء بالعرض على النار من ذلك المموه ، حرمت استدامته فيه ، فحرام مطلقا، ويأتي هذا التفصيل في تمويه الرجل الخاتم وآلة الحرب بالذهب، فتفطن لذلك لتأمن من العثار الواقع فيه بعض الشراح، ممن لا يتقن المسائل الفقهية، التي هي أحق بالإتقان من سفاسف الحكمة، ومقدمات البرهان .




الخدمات العلمية