الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعن عبد الله بن مهران قال حج الرشيد فوافى الكوفة فأقام بها أياما ثم ضرب بالرحيل فخرج الناس وخرج بهلول المجنون فيمن خرج بالكناسة والصبيان يؤذونه ، ويولعون به إذ أقبلت هوادج هارون فكف الصبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى بأعلى صوته : يا أمير المؤمنين ، فكشف هارون السجاف بيده عن وجهه ، فقال : لبيك يا بهلول فقال : يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا من عرفة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك وتواضعك في سفرك هذا يا أمير المؤمنين خير لك من تكبرك وتجبرك قال : فبكى هارون حتى سقطت دموعه على الأرض ، ثم قال : يا بهلول زدنا رحمك الله قال : نعم يا أمير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فأنفق من ماله وعف في جماله كتب في خالص ديوان الله تعالى مع الأبرار .

قال : أحسنت يا بهلول ودفع له جائزة فقال: اردد : الجائزة إلى من أخذتها منه فلا حاجة لي فيها ، قال : يا بهلول فإن كان عليك دين قضيناه ، قال : يا أمير المؤمنين هؤلاء أهل العلم بالكوفة متوافرون قد اجتمعت آراؤهم أن قضاء الدين بالدين لا يجوز، قال : يا بهلول فنجري عليك ما يقوتك أو يقيمك ، قال : فرفع بهلول رأسه إلى السماء ثم قال : يا أمير المؤمنين أنا وأنت من عيال الله فمحال أن يذكرك وينساني .

قال: فأسبل هارون السجاف ومضى .

التالي السابق


(وعن عبد الله بن مهران قال حج) هارون (الرشيد فوافى الكوفة فأقام بها أياما ثم ضرب بالرحيل فخرج الناس) يتفرجون، (وخرج بهلول) المجنون هو بهلول بن عمرو الصيرفي كذا في تعجيل المنفعة للحافظ ابن حجر قال: وذكره الخطيب في رواة مالك فقال: بهلول بن عمرو بفتح العين قلت: وفي المغني للذهبي هو بهلول بن عبيد روى عن مالك وأرخ ابن الجوزي وفاته سنة 192، (فيمن خرج) من النظارة (فجلس بالكناسة والصبيان) حوله (يؤذونه، ويولعون به إذا أقبلت هوادج هارون فكف الصبيان عن الولوع به فلما جاء هارون نادى بأعلى صوته: يا أمير المؤمنين، فكشف هارون السجاف بيده عن وجهه، فقال: لبيك يا بهلول) لبيك يا بهلول، (فقال: يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري) تقدم ذكرهما قريبا في قصة سفيان مع المهدي (قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منصرفا من عرفة على ناقة له صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك) ، رواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه دون قوله: منصرفا من عرفة، وإنما قالوا: يرمي الجمرة وهو الصواب، وقد تقدم في الباب الثاني، (وتواضعك في سفرك هذا يا أمير المؤمنين خير لك من تكبرك وتجبرك قال: فبكى هارون حتى [ ص: 86 ] سقطت دموعه على الأرض، ثم قال: يا بهلول زدنا رحمك الله قال: نعم يا أمير المؤمنين رجل آتاه الله مالا وجمالا فأنفق من ماله وعف في جماله كتب في خالص ديوان الله مع الأبرار، قال: أحسنت يا بهلول ودفع إليه الجائزة قال: اردد الجائزة إلى من أخذتها منه فلا حاجة لي فيها، قال: يا بهلول فإن كان عليك دين قضيناه، قال: يا أمير المؤمنين هؤلاء أهل العلم بالكوفة متوافرون قد اجتمعت آراؤهم إن قضاء الدين بالدين لا يجوز، قال: يا بهلول فنجري عليك ما يقوتك أو يقيمك، قال: فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: يا أمير المؤمنين أنا وأنت من عيال الله فمحال أن يذكرك وينساني قال: فأسبل هارون السجاف ومضى) .

ولفظ ابن الجوزي في المنتظم في حوادث سنة ثمان وثمانين ومائة أن الرشيد حج فيها فكانت آخر حجة حجها ثم ساق بسند له إلى محمد بن الحسن الحراني عن أحمد بن عبد الله القزويني عن الفضل بن الربيع قال: حججت مع الرشيد فمررنا بالكوفة، فإذا بهلول يهذي قلت: اسكت فهذا أمير المؤمنين فسكت فلما حاذاه قال: يا أمير المؤمنين حدثنا أيمن بن نائل عن قدامة بن عبد الله العامري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بمنى على جمل وتحته رحل رث ولم يكن ثم ضرب ولا طرد ولا إليك إليك ثم أنشده:


فهب أن قد ملكت الأرض طرا ودان لك العباد فكان ماذا أليس غدا مصيرك جوف قبر
ويحثو الترب هذا ثم هذا






الخدمات العلمية