الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعن ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي ويقول : يا لسان ، قل خيرا تغنم ، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم . فقيل له : يا أبا عبد الرحمن ، أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته ؟ فقال : لا ، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه وقال ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كف لسانه ستر الله عورته ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره وروي أن معاذ بن جبل قال : يا رسول الله ، أوصني . قال : اعبد الله كأنك تراه ، وعد نفسك في الموتى ، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله . وأشار بيده إلى لسانه وعن صفوان بن سليم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا : أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن ؟ الصمت وحسن الخلق ، وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ، وقال الحسن ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رحم الله عبدا تكلم فغنم ، أو سكت فسلم .

وقيل لعيسى عليه السلام : دلنا على عمل ندخل به الجنة . قال : لا تنطقوا أبدا . قالوا : لا نستطيع ذلك فقال : فلا تنطقوا إلا بخير وقال سليمان بن داود عليهما السلام إن : كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وعن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : أطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف ، وانه عن المنكر ، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير .

وقال صلى الله عليه وسلم : " اخزن لسانك إلا من خير ؛ فإنك بذلك تغلب الشيطان .

التالي السابق


(وعن عبد الله بن مسعود ) رضي الله عنه (أنه كان على الصفا) وهو الجبل المشهور بمكة ، (يلبي ويقول: يا لسان، قل خيرا تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ، أهذا شيء تقوله) أنت من نفسك، (أو شيء سمعته؟ فقال: لا، بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ) قال العراقي : رواه الطبراني وابن أبي الدنيا في الصمت، والبيهقي في الشعب بسند حسن. اهـ .

قلت: قال المنذري : رواة الطبراني رواة الصحيح، وإسناد البيهقي حسن، وقال ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثني أبو عمر التميمي ، حدثني أبي عن أبي بكر النهشلي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي ويقول: يا لساني، قل خيرا تغنم، أو أنصت تسلم من قبل أن تندم. قالوا: يا أبا عبد الرحمن ، هذا شيء تقوله أو سمعته؟ قال: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. فساقه، وأبو بكر النهشلي من رجال مسلم ، تكلم فيه ابن حبان .

(وقال ابن عمر ) رضي الله عنهما: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كف لسانه) أي: عن التكلم في أعراض المسلمين (ستر الله عورته) ، أي: لم يفضحه في الدنيا، (ومن ملك غضبه) مع القدرة على الانتصاف، (وقاه الله عذابه) في الآخرة، (ومن اعتذر إلى الله قبل عذره) قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت بإسناد حسن. اهـ .

قلت: وهذا لفظه: حدثنا زهير بن حرب ، حدثنا شبابة بن سوار ، عن المغيرة بن مسلم ، عن هشام بن إبراهيم ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه، وهكذا هو لفظه في كتاب الصمت، وأخرجه [ ص: 453 ] في كتاب ذم الغضب، من حديث أنس ، بلفظ: "من كف غضبه كف الله عنه عذابه، ومن اعتذر إلى ربه قبل الله منه عذره، ومن خزن لسانه ستر الله عورته" . وقد رواه كذلك أبو يعلى وابن شاهين والخرائطي في مساوي الأخلاق، والضياء في المختارة. (وروي أن معاذ بن جبل ) رضي الله عنه (قال: يا رسول الله، أوصني. قال: اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله. وأشار بيده إلى لسانه ) قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وفيه انقطاع. اهـ .

قلت: وهذا لفظ كتاب الصمت، حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أن معاذ بن جبل قال: "يا رسول الله، أوصني. قال: اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله. قال: ما هو؟ قال: هذا. وأشار بيده إلى لسانه" .

وأما لفظ الطبراني في الكبير: "اعبد الله ولا تشرك به شيئا، واعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وشجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية" . وقد رواه كذلك البيهقي في الشعب، وقد أخرج الطبراني في الكبير أيضا من حديث أبي الدرداء بلفظ: "اعبد الله كأنك تراه، وعد نفسك في الموتى، وإياك ودعوات المظلوم" . الحديث، وأبو نعيم في الحلية من حديث زيد بن أرقم : "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، واحسب نفسك مع الموتى، واتق دعوة المظلوم، فإنها مستجابة" . (وعن صفوان بن سليم) المدني أبي عبد الله القرشي من موالي بني زهرة ، تابعي، فقيه، قال ابن سعد : ثقة كثير الحديث، عابد، وقال أحمد بن حنبل: هو يستسقي بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره، قال الترمذي : مات سنة أربع وعشرين ومئة، روى له الجماعة. (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن؟) قالوا: أخبرنا. قال: ( الصمت وحسن الخلق ) مع الناس. قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا ، هكذا في كتاب الصمت، مرسلا، ورجاله ثقات، ورواه أبو الشيخ في طبقات المحدثين من حديث أبي ذر وأبي الدرداء أيضا مرفوعا بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ولفظ كتاب الصمت: حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فساقه، وسيأتي حديث أبي ذر في ذكر الآفة الأولى قريبا .

(وقال أبو هريرة ) رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ) أخرجه البخاري ومسلم ، وابن أبي الدنيا في الصمت، قال: حدثنا إبراهيم ابن أبي المنذر الحزامي ، حدثنا سفيان بن حمزة الأسلمي ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة .. فساقه. (وقال الحسن) البصري رحمه الله تعالى: (ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله عبدا قال فغنم، أو سكت فسلم ) . وهذا من جوامع الكلم؛ لتضمنه الإرشاد إلى خير الدارين؛ فإنه قد تم الإرشاد إلى خير الآخرة في المعاد؛ إذ قوله: غنم؛ أي: غنم ثواب الله؛ لقوله: الخير، ثم عطف عليه الإرشاد إلى خير الدنيا، وهو السلامة من شر الناس، وقد عده العسكري من الأمثال، قال العراقي : رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، والبيهقي في الشعب، والخرائطي في مكارم الأخلاق، هكذا مرسلا، ورجاله ثقات، ورواه البيهقي في الشعب من حديث أنس ، بسند فيه ضعف؛ فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين. اهـ .

قلت: رواه ابن أبي الدنيا عن عبيد الله بن عمر ، حدثنا حزم بن أبي حزم قال: سمعت الحسن يقول: ذكر لنا.. فساقه، وقد رواه أيضا العسكري في الأمثال مرسلا، ورواه أيضا موصولا عن الحسن ، عن أنس ، ورواه هناد كذلك عن الحسن مرسلا، وقد رواه أبو الشيخ والديلمي من حديث أبي أمامة الباهلي ، ورواه ابن المبارك في الزهد، والخرائطي في مكارم الأخلاق، عن خالد بن أبي عمران مرسلا، ورواه ابن أبي الدنيا من طريق ابن المبارك ، لكن في سنده ابن لهيعة ، وهو ضعيف، وخالد هذا قال الذهبي: هو التجيبي ، قاضي إفريقية، فقيه، عابد، مات سنة 139، ويروى مثل ذلك عن ابن عباس قال: "يا لسان؛ قل خيرا تغنم، أو اسكت عن شر تسلم" .

كذا في كتاب الصمت من رواية إسماعيل بن مسلم عنه. (وقيل لعيسى عليه السلام: دلنا على عمل ندخل به الجنة. قال: لا تنطقوا أبدا. قالوا: [ ص: 454 ] لا نستطيع ذلك. قال: فلا تنطقوا إلا بخير) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت: حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا سفيان بن عيينة قال: قالوا لعيسى عليه السلام.. فساقه. وقد روي مثل ذلك عن سلمان الفارسي "أنه قال له رجل: أوصني. قال: لا تتكلم. قال: وكيف يصبر رجل على ألا يتكلم؟ قال: فإن كنت لا تصبر عن الكلام فلا تكلم إلا بخير أو اصمت" . رواه ابن أبي الدنيا في الصمت من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عنه، ( وقال سليمان عليه السلام: لو كان الكلام من فضة كان السكوت من ذهب) ، قال ابن المبارك : معناه: لو كان الكلام بطاعة الله من فضة، كان السكوت عن معصيته من ذهب .

أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن الهيثم بن خارجة ، حدثنا إسماعيل بن هاشم ، عن الأوزاعي قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام: "إن كان الكلام من فضة، فالصمت من ذهب" . وقد روي مثل هذا الكلام عن لقمان ، قاله لابنه يعظه .

(وعن البراء) بن عازب رضي الله عنهما (قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: أطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير ) أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت، قال: حدثنا أحمد بن حنبل ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا عيسى بن عبد الرحمن ، حدثني طلحة الأيامي ، حدثني عبد الرحمن بن عوسجة ، عن البراء قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال.. فساقه .

(وقال صلى الله عليه وسلم: "اخزن لسانك إلا من خير؛ فإنك بذلك تغلب الشيطان ) ، قال العراقي : رواه الطبراني في الصغير من حديث أبي سعيد ، وفيه ليث بن أبي سليم ، مختلف فيه، وله في المعجم الكبير، ولابن حبان في صحيحه نحوه من حديث أبي ذر . اهـ .

قلت: وأخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت من قول أبي سعيد قال: حدثنا الحسن بن حمزة ، أنبأنا عبدان ، أنبأنا عبد الله، يعني ابن المبارك ، أنبأنا إسماعيل بن عياش ، حدثني عقيل بن مدرك "أن رجلا قال لأبي سعيد الخدري : أوصني. قال: عليك بالصمت إلا في حق؛ فإنك به تغلب الشيطان" . وهذا إسناد حسن، وعقيل بن مدرك الخولاني شامي مقبول، روى له أبو داود .




الخدمات العلمية