الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال عيسى عليه السلام : العبادة عشرة أجزاء ، تسعة منها في الصمت وجزء في الفرار من الناس وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .

التالي السابق


(وقال عيسى عليه السلام: العبادة عشرة أجزاء، تسعة منها في الصمت، وجزء في الفرار من الناس ) . ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت من طريق وهيب بن الورد قال: كان يقال: الحكمة عشرة أجزاء، فتسعة منها في الصمت، والعاشرة عزلة الناس، وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق الحسين بن محمد بن يزيد بن خنيس قال: قال وهيب بن الورد ، قال حكيم من الحكماء: العبادة -أو قال: الحكمة- عشرة أجزاء; تسعة منها في الصمت، وواحدة في العزلة، فأردت من نفسي الصمت على شيء فلم أقدر عليه، فصرت إلى العزلة، فحصلت لي التسعة .

(وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به ) ; لأن السقط ما لا عبرة به ولا نفع فيه، فإن كان لغوا لا إثم فيه حوسب على تضييع عمره، وكفران النعمة بصرف نعمة اللسان عن الذكر إلى الهذيان، وقلما سلم من الخروج إلى ما يوجب الإثم، فتصير النار أولى به من الجنة; لذلك قال العراقي : رواه أبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف، وقد رواه أبو حاتم بن حبان في روضة العقلاء، والبيهقي في الشعب موقوفا على عمر بن الخطاب . اهـ .

قلت: وكذلك رواه الطبراني في الأوسط، والقضاعي في مسند الشهاب ، والعسكري في الأمثال، كلهم من حديث ابن عمر ، ولفظ العسكري : "من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثر كذبه، ومن كثر كذبه كثرت ذنوبه" ، والباقي سواء، فبعضهم رواه من طريق ابن عجلان، وبعضهم من طريق يحيى بن أبي كثير، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، وقال العسكري : أحسبه وهما، وإن الصواب أنه عن عمر من قوله، وقول العراقي : بسند ضعيف؛ لأن فيه إبراهيم بن الأشعث ، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه: يغرب ويخطئ وينفرد ويخالف، ولذا قال ابن الجوزي : حديث لا يصح، وقال ابن أبي الدنيا في الصمت، حدثني أحمد بن عبيد التميمي ، حدثنا عبيد الله بن محمد التميمي ، حدثنا دريد بن مجاشع ، عن غالب القطان ، عن مالك بن دينار عن الأحنف ابن قيس قال: قال عمر بن الخطاب : "من كثر كلامه كثر سقطه" . ورواه العسكري من هذا الطريق، ولفظه: قال لي: يا أحنف ، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه" . وكذا أورده العسكري من طريق معاوية في قصة قال فيها معاوية : "من كثر كلامه كثر سقطه" . وفي الباب عن معاذ ، وفي تاريخ ابن عساكر من حديث أبي هريرة : "من كثر ضحكه استخف بحقه، ومن كثرت دعابته ذهبت جلالته، ومن كثر مزاحه ذهب وقاره، ومن شرب الماء على الريق ذهب بنصف قوته، ومن كثر كلامه كثر سقطه، فمن كثر سقطه كثرت خطاياه، ومن كثرت خطاياه كانت النار أولى به" . قال ابن عساكر : غريب الإسناد والمتن، وفي الزهد لابن المبارك ، ومن جهته ابن أبي الدنيا في الصمت من طريق شفي الأصبحي قال: "من كثر كلامه كثرت خطيئته" .



(تنبيه) :

قد بقي على المصنف ذكر أخبار في فضيلة الصمت ، ولم يذكرها، وهي على شرطه، فمن ذلك ما رواه أبو يعلى من حديث أنس : "عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما" .

وروى الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس : "الصمت سيد الأخلاق، ومن مزح استخف به" . ومن حديث أبي هريرة : "الصمت أرفع العبادة" .

وروى أبو الشيخ في الثواب من حديث محرز بن زهير : "الصمت زين للعالم، وستر للجاهل" .

وروى ابن أبي الدنيا في الصمت من حديث أسود بن أصرم المحاربي قال: قلت: "أوصني يا رسول الله. قال: أتملك يدك؟ قال: قلت: فما أملك إذا لم أملك يدي. قال: أتملك لسانك؟ قال: فما أملك إذا [ ص: 456 ] لم أملك لساني؟ قال: فلا تبسط يدك إلا إلى خير، ولا تقل بلسانك إلا معروفا" . ومن طريق شهر بن حوشب ، حدثني ابن غنم أن معاذا قال: "يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه ثم وضع عليه أصبعه" . ومن طريق سالم بن أبي الجعد ، قال: قال عيسى عليه السلام: طوبى لمن بكى من خطيئته، وخزن لسانه، ووسعه بيته . ومن طريق الشعبي قال: قلت لعبد الله بن عمرو : حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودع الكتب؛ فإني لا أعبأ بها شيئا. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما كره ربه" . ومن طريق ابن الزبير عن جابر أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ فقال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" ، ومن طريق ابن مرواح الليثي ، عن أبي ذر رفعه قال: "كف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك" .




الخدمات العلمية