الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأخبر صلى الله عليه وسلم بالغيوب وأنذر عثمان بأن تصيبه بلوى بعدها الجنة وبأن عمارا تقتله الفئة الباغية .

التالي السابق


(و) من معجزاته أنه (أخبر صلى الله عليه وسلم بالغيوب) جمع غيب ، وهو كل ما غاب عن الحس ، ولم يكن عليه علم يهتدي به العقل فيحصل به العلم .

(و) جملة ذلك (أنذر أن عثمان) بن عفان (رضي الله عنه تصيبه بلوى بعدها الجنة) قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري اهـ .

قلت : أخرجاه من طريق أبي عثمان النهدي ، عن أبي موسى قال : "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - في حائط من تلك الحوائط ، إذ جاء رجل فاستفتح الباب ، فقال : افتح له ، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فإذا هو عثمان ، فأخبرته ، فقال : والله المستعان " ، ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن معمر : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان في حش من حشان المدينة ، فاستأذن رجل خفيض الصوت ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فأذنت له وبشرته ، فإذا هو عثمان ، فقرب يحمد الله حتى جلس " .

وروى أيضا من طريق قتادة ، عن أبي الحجاج ، عن أبي موسى قال : "جاء رجل فاستأذن مرة فقال : ائذن له وبشره بالجنة في بلوى فقال عثمان : أسأل الله صبرا " .

(و) من جملة ذلك أنذر (بأن عمارا) هو ابن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس العنسي ، يكنى أبا اليقظان ، وأمه سمية بنت خياط ، وكانت أمة لأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي ، وكان أبوه ياسر قدم من اليمن إلى مكة فحالف أبا حذيفة وزوجه مولاته سمية ، فولدت له عمارا فأعتقه أبو حذيفة ، وكان سلمة بن الأزرق أخاه لأمه ، أسلم بمكة قديما هو وأبوه وأمه ، وكانوا ممن يعذب في الله ، فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم - وهم يعذبون ، فقال : "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة " .

(تقتله الفئة الباغية) قال القاضي في شرح المصابيح : يريد به معاوية وقومه اهـ .

وأما قول بعضهم المراد أهل مكة الذين عذبوه أول الإسلام ، فقد تعقبوه بالرد ، قال القرطبي ، هذا الحديث من أثبت الأحاديث ولما لم يقدر معاوية على إنكاره ، قال : إنما قتله من أخرجه ، فأجابه علي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا قتل حمزة حين أخرجه ، قال ابن دحية : وهذا إلزام مفحم لا جواب عنه ، وحجة لا اعتراض عليها .

وقال الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة : أجمع فقهاء الحجاز والعراق ، وأهل الحديث والرأي ، والمتكلمون ، وسائر أهل العلم ، أن عليا رضي الله عنه - مصيب في قتاله لأهل صفين ، وأهل الجمل ، وإن الذين قاتلوه بغاة ظالمون له ، لكنهم لا يكفرون ، وبمثل هذا قال الإمام أبو منصور الماتريدي في كتاب الفرق .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث أبي قتادة ، وأم سلمة والبخاري من حديث أبي سعيد ، اهـ .

قلت : ورواه كذلك أحمد وابن حبان في الصحيح ، ولفظهم : "كنا نحمل في بناء المسجد لبنة لبنة ، وعمار لبنتين لبنتين ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم - فجعل ينفض التراب عنه ، ويقول : ويح عمار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " .

قال السيوطي في الخصائص : هذا متواتر ، رواه من الصحابة بضعة عشر ، ويروى : "ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية " ، رواه هكذا أبو يعلى والبزار والحاكم عن حذيفة ، وابن مسعود معا .

ورواه أبو يعلى أيضا من حديث أبي هريرة ، ورواه ابن عساكر من حديث أم سلمة ، ورواه الخطيب من حديث عمرو بن العاص ، ويروى : "عمار تقتله الفئة الباغية " رواه هكذا أبو نعيم في الحلية والخطيب من حديث أبي قتادة ، ورواه الطبراني أيضا لكن بزيادة الناكبة عن الحق ، ويروى من حديث أبي أيوب : "تقتل عمارا الفئة الباغية " .

وأخرج ابن سعد في الطبقات من طريق عمارة بن خزيمة بن ثابت ، قال : "شهد خزيمة الجمل وهو لا يسل سيفا ، وشهد صفين وقال : أنا لا أضل أبدا حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول : تقتله الفئة الباغية ، قال : فلما قتل عمار قال خزيمة : قد بانت إلي الضلالة ، ثم اقترب فقاتل حتى قتل ، وكان الذي قتل عمارا أبا خاوية المزني طعنه برمح فسقط ، وكان يومئذ يقاتل في محفة فقتل يومئذ وهو ابن أربع وتسعين سنة ، ودفن هنالك " .

(تنبيه)

وجد بخط الحافظ ابن رجب الحنبلي ما نصه : ليس في أكثر نسخ البخاري من حديث أبي سعيد تقتله الفئة الباغية [ ص: 179 ] وإنما وجد في بعض النسخ ، ووجد بخط الحافظ ابن حجر تحته ، قلت : وليس هو في روايتنا والله أعلم .




الخدمات العلمية