الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأخبر فاطمة ابنته رضي الله عنها بأنها أول أهله لحاقا به ، فكان كذلك وأخبر نساءه بأن أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به ، فكانت زينب بنت جحش الأسدية أطولهن يدا بالصدقة أولهن لحوقا ، به رضي الله عنها .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر فاطمة ابنته رضوان الله عليها) وهي الزهراء ، تكنى بأم أبيها ، ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد أبيها صلى الله عليه وسلم - وهي أصغر البنات [ ص: 185 ] (بأنها أول أهله لحاقا به ، فكان كذلك) فإنها توفيت بعده بستة أشهر ، رواه البخاري في الصحيح عن عائشة قال الواقدي : وهو المثبت ، وروى الحميدي عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، وأنها بقيت بعده ثلاثة أيام ، وقال غيره أربعة أشهر ، وقيل : شهرين ، وعند الدولابي في الذرية الطاهرة ، خمسة وتسعون يوما ، قال العراقي : متفق عليه من حديث عائشة وفاطمة أيضا اهـ .

قلت : أخرجاه من طريق مسروق عن عائشة ، "أقبلت فاطمة تمشي كأن مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : مرحبا بابنتي ، ثم أجلسها عن يمينه ، ثم أسر إليها حديثا فبكت ، ثم أسر إليها حديثا فضحكت ، فقلت : ما رأيت كاليوم أقرب فرحا من حزن ، فسألتها عما قال فقالت : ما كنت لأفشي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سره ، فلما قبض سألتها ، فأخبرتني ، أنه قال : إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة ، وإنه عارضني العام مرتين ، وما أراه إلا وقد حضر أجلي ، وإنك أول أهل بيتي لحوقا بي ، ونعم السلف أنا لك ، فبكيت ، فقال : ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، فضحكت " ، وأخرجه أبو يعلى من حديث أم سلمة ، قالت : "جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فسألتها عنه ، فقالت : أخبرني أنه مقبوض في هذه السنة ، فبكيت فقال : ما يسرك أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فضحكت " .

(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أخبر نساءه بأن أطولهن يدا أسرعهن لحاقا به ، فكانت زينب بنت جحش ) بن رياب بن يعمر (الأسدية) أخت عبد الله وحمنة ، وأم حبيبة بني جحش أمهم ، أميمة عمة النبي صلى الله عليه وسلم - (أطولهن يدا بالصدقة ، وأولهن لحاقا به) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث عائشة ، وفي الصحيحين " أن سودة كانت أولهن لحوقا به " ، قال ابن الجوزي : وهذا غلط من الرواة بلا شك اهـ .

قلت : وفي الصحيحين ، واللفظ لمسلم من طريق عائشة بنت طلحة ، عن عائشة قالت : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا ، قال : فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا ، قالت : وكانت أطولنا يدا زينب ؛ لأنها كانت تعمل بيديها ، وتتصدق " ، ومن طريق يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة نحوه ، وفيه : "قالت عائشة : فكان إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم - نمد أيدينا في الجدار نتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بن جحش ، وكانت امرأة قصيرة ، ولم تكن بأطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم - إنما أراد طول اليد بالصدقة ، وكانت زينب امرأة صناع اليدين ، فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله " .

وروى ابن سعد بسند فيه الواقدي ، عن القاسم بن محمد ، قال : قالت زينب حين حضرتها الوفاة : "إني قد أعددت كفني وإن عمر سيبعث إلي بكفن فتصدقوا بأحدهما ، وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوي فافعلوا " ، ومن وجه آخر عن عمرة قالت : "بعث عمر بخمسة أثواب فكفنت منها وتصدقت عنها أختها حمنة بكفنها الذي كانت أعدته ، قالت عمرة : فسمعت عائشة تقول : لقد ذهبت حميدة سعيدة ، مفزع اليتامى والأرامل " .

وأخرج أيضا بسند فيه الواقدي عن محمد بن كعب : "كان عطاء زينب بنت جحش اثني عشر ألفا لم تأخذه إلا عاما واحدا فجعلت تقول : اللهم لا يدركني هذا المال قابلا ، فإنه فتنة ، ثم قسمته في أهل رحمها ، في أهل الحاجة فبلغ عمر ، فقال : هذه امرأة يراد بها خيرا فوقف عليها ، وأرسل السلام ، وقال : بلغني ما فرقت فأرسل بألف درهم يستبقيها فسلكت به ذلك المسلك " .

قال الواقدي : ماتت سنة عشرين ، وأخرج الطبراني من طريق الشعبي ، أن عبد الرحمن بن أبزى أخبره أنه صلى مع عمر على زينب بنت جحش ، وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم - ماتت بعده .




الخدمات العلمية