الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة ، فهل تطلق ثلاثا أو اثنتين ؟ على وجهين ) وأطلقهما في المحرر ، والفروع [ ص: 31 ] أحدهما : تطلق اثنتين ، وهو المذهب ، صححه في التصحيح ، وجزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، وغيرهم ; لأن الاستثناء من الاستثناء عندنا صحيح ، واستثناء النصف صحيح على المذهب ، كما تقدم . والوجه الثاني : تطلق ثلاثا ، قال المصنف ، والشارح ، وغيرهما : لا يصح الاستثناء من الاستثناء في الطلاق إلا في هذه المسألة ، فإنه يصح إذا أجزنا النصف ، وإن قلنا : لا يصح وقع الثلاث .

فائدة : لو قال " أنت طالق ثلاثا إلا واحدة إلا واحدة " طلقت اثنتين على الصحيح من المذهب ; لأنه استثنى من الواحدة المستثناة واحدة ، فيلغو الاستثناء الثاني ، ويصح الأول ، جزم به ابن رزين في شرحه ، وقيل : تطلق ثلاثا ; لأن الاستثناء الثاني معناه إثبات طلقة في حقها ; لكون الاستثناء من النفي إثباتا فيقع ، فيقبل ذلك في إيقاع طلاقه ، وإن لم يقبل في نفيه ، وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والفروع .

قوله ( وإن قال : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة ، أو طالق وطالق وطالق إلا واحدة ، أو طلقتين وواحدة إلا واحدة ، أو طلقتين ونصفا إلا طلقة : طلقت ثلاثا ) وهو المذهب ، قال ابن منجا في شرحه : هذا المذهب ، وقدمه في النظم ، والهداية ، والمذهب ، والخلاصة في أنت طالق طلقتين وواحدة [ إلا واحدة أو طلقتين ونصفا إلا طلقة طلقت ثلاثا ، وهو المذهب ] ، ( ويحتمل أن تطلق طلقتان ) وقدمه في المستوعب في الجميع ، وأطلقهما في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، [ ص: 32 ] لكن صاحب الرعايتين : قدم أن الاستثناء بعد العطف بالواو يعود إلى الكل وقطع في الهداية والخلاصة : أن الاستثناء بعد العطف لا يعود إلا إلى الأخيرة ، فإذا قال " أنت طالق وطالق وطالق إلا واحدة " طلقت ثلاثا ، وقدمه في المستوعب ، وصححه في المغني ، قال في القواعد الأصولية : وما قاله في المغني ليس بجار على قواعد المذهب ، وقطع القاضي أبو يعلى بوقوع طلقتين في قوله " أنت طالق وطالق وطالق إلا واحدة " كما قدمه ابن حمدان ، وقطع به ابن عقيل في الفصول أيضا ، لكن ذكر في المستوعب عن القاضي : أنها تطلق ثلاثا في هذه وفي الجميع ، واختار الشارح وقوع الثلاث في الأولى ، وأطلق الخلاف في الباقي ، وأطلق الخلاف في المذهب في الأولى ، وفي قوله " طلقتين ونصفا إلا طلقة " ، فإذا قلنا : تطلق ثلاثا في قوله " طالق وطالق وطالق إلا واحدة " لو أراد استثناء من المجموع : دين ، وفي الحكم وجهان ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي ، وظاهر كلامه في المنور : أنه لا يقبل في الحكم ، فإنه قال : دين ، واقتصر عليه [ قال ابن رزين في التهذيب : كل موضع فسر قوله فيه بما يحتمله ، فإنه يدين فيه فيما بينه وبين الله ، دون الحكم . انتهى . ونقله أيضا عنه في تصحيح المحرر وغيره ] .

قلت : الصواب قبوله ، [ قال الشيخ في مختصره هداية أبي الخطاب فإن قال : أردت استثناء الواحدة من الثلاث : قبل ، وهذا الجزم من الشيخ الموفق مع إطلاق أبي الخطاب للخلاف على ما نقله المؤلف أحسن ما يستند إليه في تصحيح الوجه الثاني ، وهو القبول والله أعلم ] [ ص: 33 ]

فائدة : لو قال " أنت طالق اثنتين ، واثنتين ، إلا اثنتين : طلقت ثلاثا " جزم به القاضي في الجامع الكبير ، وغيره ، وقدمه في المغني ، والشرح ، وشرح ابن رزين ، ويحتمل أن تطلق اثنتين ، قال ابن رزين في شرحه : هذا أقيس ، وإن قال " اثنتين واثنتين ، إلا واحدة " فالذي جزم به القاضي في الجامع الكبير : أنها تطلق اثنتين بناء على قاعدته ، وقاعدة المذهب : أن الاستثناء يرجع إلى ما يملكه ، وأن العطف بالواو يصير الجملتين جملة واحدة ، وأبدى المصنف في المغني احتمالين ، أحدهما : ما قاله القاضي ، والثاني : لا يصح الاستثناء ، وإن فرق بين المستثنى والمستثنى منه ، فقال " أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة ، إلا واحدة وواحدة وواحدة " ، قال في الترغيب : وقعت الثلاث على الوجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية