الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : ( فأما إن جاز السهم أو أجاز من وراء الناس ، فهذا سوء رمي ليس بعارض غلب عليه ، فلا يرد إليه ) .

                                                                                                                                            قال الماوردي : يقال : جاز السهم إذا مر في إحدى جانبي الهدف ، ويسمى : خاصر وجمعه خواصر : لأنه في أحد الجانبين مأخوذ من الخاصرة ؛ لأنها في جانبي الإنسان ، ويقال : أجاز السهم إذا سقط وراء الهدف .

                                                                                                                                            فإذا أجاز السهم ، ووقع في جانب الهدف ، أو أجاز ووقع وراء الهدف كان محسوبا منه خطؤه : لأنه منسوب إلى سوء رميه ، وليس بمنسوب إلى عارض في بدنه أو اليد .

                                                                                                                                            وقال أبو علي بن أبي هريرة : الجائز أن يقع في الهدف عن أحد جانبي الشن ، فعلى هذا إن كانت الإصابة مشروطة في الشن كان الجائز مخطئا ، وإن كانت مشروطة في الهدف كان الجائز مصيبا ، ويجوز أن يشترطا أن تكون إصابة سهامهما جائزة ، فيحتسب بالجائز ولا يحتسب بغير الجائز .

                                                                                                                                            ويقال : " سهم " طامح ، وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الطامح هو الذي قارب الإصابة ، ولم يصب ، ويكون مخطئا .

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : ذكره ابن أبي هريرة أنه الواقع بين الشن ورأس الهدف ، فيكون مخطئا إن شرط الإصابة في الشن ، ومصيبا إن شرط في الهدف ، ويجوز أن يشترط في الإصابة فلا يحتسب له مصيبا إلا بسهم طامح كالجائز .

                                                                                                                                            ويقال : سهم " عاصد " ، وهو الواقع في أحد الجانبين ، فيكون كالجائز في تأويل ابن أبي هريرة .

                                                                                                                                            ويقال : سهم ( طائش ) وهو الذي يجاوز الهدف كالجائز إلا أن الجائز ما عرف مكان وقوعه ، والطائش ما لم يعرف مكان وقوعه ، والطائش محسوب عليه في الخطأ كالجائز .

                                                                                                                                            [ ص: 213 ] ويقال : سهم ( غائر ) وهو المصيب الذي لا يعرف راميه ، فلا يحتسب به لواحد من الراميين للجهل به .

                                                                                                                                            ويقال : سهم ( خاطف ) وهو المرتفع في الهواء ثم يخطف نازلا ، فإن أخطأ به كان محسوبا عليه ؛ لأنه من سوء رميه ، وإن أصاب به ، ففي الاحتساب به وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحتسب به من إصابته لحصوله برميه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحتسب به من الإصابة : لأن تأثير الرمي في إيقاع السهم ، فأما سقوطه ، فلثقله ، فصار مصيبا بغير فعله ، فعلى هذا هل يحتسب من خطئه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحتسب به من خطئه : لأنه إذا لم يكن مصيبا كان مخطئا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحتسب به من الخطأ ؛ لأنه ما أخطأ ، وأسوأ أحواله إن لم يكن مصيبا أن لا يكون مخطئا .

                                                                                                                                            والصحيح عندي من ذلك : أن ينظر نزول السهم خطأ بعد ارتفاعه ، فإن انحط فاترا لحدة لا يقطع مسافة احتسب عليه خاطئا ، وإن نزل في بقية حدته جاريا في قطع مسافته احتسب له صائبا ؛ لأن الرمي بالفتور منقطع وبالحدة مندفع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية