الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف أن لا يدخل بيت فلان فدخل بيتا يسكنه فلان بكراء ، لم يحنث ، إلا بأن يكون نوى مسكن فلان ، فيحنث " .

                                                                                                                                            [ ص: 363 ] قال الماوردي : أما إذا قال : والله لا دخلت مسكن زيد ، فدخل دارا يسكنها زيد بملك أو إجارة أو غصب ، حنث : لأنها مسكن له في الأحوال كلها ، ولو حلف لا يدخل دار زيد ، فدخل دارا يملكها زيد حنث . سواء كان يسكنها أو لا يسكنها . ولو كان زيد يملك نصفها أو أكثرها لم يحنث ، ولو دخل دارا يسكنها زيد بإجارة ، وهو لا يملكها لم يحنث على مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ومالك يحنث استدلالا بقول الله تعالى : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق [ الأنفال : 5 ] ، وكان قد أخرجه من بيت خديجة : فأضاف البيت إليه ، وإن لم يملكه ؛ لأنه كان ساكنه . وقال تعالى : واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] أي من بيوت أزواجهن ، فأضافها إليهن بسكناهن : لأن ملكها لا يجوز أن يخرج منه بالفاحشة المبينة ولا بغيرها : ولأنه لما كان الإذن في دخولها مقصورا عليه دون مالكها صار بالإضافة إليه أحق ، فوجب أن يكون بالحنث ألزم .

                                                                                                                                            ودليلنا أن إضافة الأملاك بلام التمليك تقتضي إضافة الملك للرقاب دون المنافع ألا تراه لو قال : هذه الدار لزيد كان هذا إقرارا منه له بالملك دون المنفعة ، فلو قال : أردت أنه مالك لمنافعها لم يقبل منه ، فإذا كان هذا في الإقرار موجبا للملك ، وجب أن يكون في الأيمان محمولا على الملك ؛ ولأنه لو سكن زيد دار عمرو ، فحلف رجل ألا يدخل دار زيد وحلف آخر لا يدخل دار عمرو ، ثم دخلها كل واحد من الحالفين ، قالوا : يحنثان جميعا ، فجعلوها كلها دار زيد ، وجعلوها كلها دار عمرو ، ومن المستحيل أن يكون كل الدار لزيد وكلها لعمرو ، فوجب أن تضاف إلى أحقهما بها والمالك أحق بها من الساكن ؛ لأن الساكن لو حلف أن الدار له ، حنث ، والمالك إن حلف أن الدار له ، لم يحنث . فوجب أن يكون الحانث من الحالفين من اختص بالملك دون الساكن .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بالآيتين في إضافة الدار إلى ساكنها ، فهو أنها إضافة مجاز لا حقيقة كما يقال : مال العبد وسرج الدابة ، والأيمان محمولة على حقائق الأسماء دون مجازها .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بالإذن ، فهو أن استحقاق الإذن لا يغير حكم الملك ، كما لو حلف المالك : لا دخلت داري ، فدخل دارا قد أجرها ، حنث ، وإن كان الإذن في دخولها حقا لغيره ، فإذا تقرر هذا فهذا هو الكلام في الحكم مع عدم النية ، فأما إن كانت له نية تخالف هذا الإطلاق حمل في الحنث على نيته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية