الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه ولا يركب دابة وهو راكبها ، فإن نزع أو نزل مكانه ، وإلا حنث وكذلك ما أشبهه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن ما حلف عليه من الأفعال ينقسم ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : ما يحنث فيه بابتداء الفعل ، واستدامته ، وهو خمسة أشياء : السكنى ، واللباس ، والركوب ، والغصب ، والجماع ، فإذا حلف لا سكنت دارا حنث بأن يبتدئ سكناها ، وحنث بأن يكون ساكنا فيها ، فيستديم سكناها إلا أن يبادر بالخروج منها .

                                                                                                                                            ولو حلف : لا لبست ثوبا حنث بأن يبتدئ لباسه ، وحنث أن يكون لابسه ، فيستديم لباسه إلا أن يبادر بنزعه .

                                                                                                                                            وحلف : لا يركب دابة ، حنث بأن يبتدئ ركوبها ، وحنث بأن يكون راكبا ، فيستديم ركوبها إلا أن يبادر بالنزول عنها ، ولو حلف : لا غصبت مالا : حنث بأن يبتدئ بالغصب ، وحنث بأن يكون غاصبا ، فيستديم الغصب إلا أن يبادر برده .

                                                                                                                                            ولو حلف : لا جامعت ، حنث بأن يبتدئ الجماع ، وحنث بأن يكون مجامعا ، فيستديم الجماع إلا أن يبادر بالإخراج .

                                                                                                                                            وإنما حنث في هذه الخمسة بالابتداء ، والاستدامة لأن اسم الفعل منطلق عليه في الحالين ، فاستوى حكمهما في الحنث .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : ما يحنث بابتداء الفعل ، ولا يحنث باستدامته ، وهو خمسة أشياء : النكاح والإحرام ، والرهن والشراء ، والوقف ، فإذا حلف لا ينكح ، وقد نكح ، وأن لا يحرم وقد أحرم ، أو لا يرهن ، وقد رهن ، أو لا يقف وقد وقف ، لم يحنث ، حتى يستأنف نكاحا ، وإحراما ، ورهنا ، وشراء ، ووقفا ؛ لأنها عقود . فلم يحنث باستدامتها لتقدم العقد فيها .

                                                                                                                                            [ ص: 350 ] والقسم الثالث : ما اختلف هل تكون الاستدامة فيه كالابتداء ، وهو ثلاثة أشياء : الدخول ، والطيب والسفر ، هل يكون الاستدامة كالابتداء ، فإذا حلف لا دخلت هذه الدار حنث بأن يستأنف دخولها ، إذا كان خارجا ، وفي حنثه باستدامة دخولها ، إذا كان فيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو مقتضى نصه في كتاب الأم .

                                                                                                                                            وقال أبو عبد الله الزبيري أنه يحنث باستدامة جلوسه فيها ، كما يحنث باستئناف دخولها ، كالسكنى ، وقد قال الشافعي : حلف لا يدخلها فأكره على دخولها ، فإن عجل الخروج منها بعد المكنة ، لم يحنث وإن أقام حنث ، فجعل استدامة الدخول كالدخول .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه في كتاب حرملة ، وقاله أبو العباس بن سريج ، لا يحنث باستدامة الدخول ، حتى يستأنفه ؛ لأن الدخول يكون بعد خروج .

                                                                                                                                            ولو حلف لا تطيبت حنث بأن يستأنف الطيب ، وفي حنثه باستدامة طيب متقدم ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : يحنث باستدامته ؛ لأنه منسوب إلى التطيب .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحنث بالاستدامة ؛ لأنه لم يستحدث فعلا .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أنه إن كان أثر طيبه باقيا ، حنث ، وإن بقيت الرائحة دون الأثر لم يحنث ، وهي طريقة أبي الغياض اعتبارا ببقاء العين ، وزوالها ولو حلف : لا يسافر ، حنث بأن يستأنف السفر طويلا ، كان أو قصيرا فأما إذا حلف ، وهو مسافر ، فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يأخذ في العود من سفره ، فلا يحنث ؛ لأنه قد أخذ في ترك السفر .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون باقيا على وجهه في السفر ، فيحنث باستدامة مسيره ؛ لأنه أخذ في السفر .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يقيم بمكانه من سفره ، ففي حنثه باستدامته وجهان :

                                                                                                                                            أحدها : يحنث كالتوجه ، لبقائه على السفر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحنث لكفه عن السير ، فصار كالعود .

                                                                                                                                            وكل ما لم نسمه ، فهو معتبر بما سميناه من هذه الأقسام ، فيكون ملحقا بأشبهها به والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية