الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : ولو قال وحق الله أو وعظمته أو وجلال الله أو وقدرة الله ، فذلك كل يمين نوى بها يمينا ، أو لا نية له ، وإن لم يرد يمينا ، فليست بيمين : لأنه يحتمل أن يقول : وحق الله واجب وقدرة الله ماضية ، لا أنه يمين .

                                                                                                                                            [ ص: 275 ] قال الماوردي : ذكر الشافعي هاهنا إذا حلف بأربعة أشياء ب " وحق الله " ، و " عظمة الله " ، و " جلال الله " ، و " قدرة الله " .

                                                                                                                                            فأما وعظمة الله وجلال الله فهو يمين في الأحوال الثلاثة ، سواء أراد به اليمين أو لم يرد : لأنها من صفات ذاته المحضة ، فلم يعتبر فيها عرف شرع ولا استعمال ، وإن كان عرف الاستعمال فيها موجودا ، وإنما يعتبر العرفان فيما كان من الصفات محتملا ، ولا يعتبر فيما زال عنه الاحتمال .

                                                                                                                                            وأما قوله : وحق الله ، وقدرة الله ، فتكون يمينا في حالتين من ثلاث إذا أراد اليمين وإذا أطلق .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا قال : وحق الله ، لا تكون يمينا في الأحوال كلها سواء أراد به اليمين أو لم يرد ؛ لأن حقوق الله تعالى فروضه وعباداته ، لرواية عبادة بن الصامت قال : قلت : يا رسول الله ! ما حق الله على عباده : فقال : أن لا تشركوا به شيئا وتعبدوه وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة .

                                                                                                                                            ودليلنا شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها يمين معتادة بصفة عامة أضيفت إلى الله تعالى ، فوجب أن تكون يمينا كصفات ذاته من العظمة والعزة .

                                                                                                                                            والثاني : أنها يمين مستحقة من صفات ذاته ، فجرى عليها حكم صفات الذوات .

                                                                                                                                            وأما الخبر فلا دليل فيه ؛ لأنه بين بعض حقوقه ، وقد تحتمل العبادات ، وتحتمل صفات الذات ، فجاز أن تعتبر فيه الإرادة بحمله على أحدهما .

                                                                                                                                            وأما إذا أراد غير اليمين ، فقد قال الشافعي : " يعمل على إرادته " فلا تكون يمينا ، لما علل به من جواز أن يريد . وحق الله واجب ، وقدرة الله ماضية ، فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه لا تكون يمينا على ما أجاب به الشافعي ، وعلل به .

                                                                                                                                            الوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، أنه لا تكون يمينا في حقوق الله تعالى ، وتكون يمينا في حقوق الآدميين .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه لا تكون يمينا بالإرادة إذا عزاه إلى أمر محتمل ، وتكون يمينا إذا لم يعزه إلى أمر محتمل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية