الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والحال الثانية : أن يريد بالجلوس عن الرمي فسخ العقد ، فلا يخلو أن يكون معذورا في الفسخ أو غير معذور ، فإن كان معذورا في الفسخ ، وأعذار الفسخ أضيق وأغلظ من أعذار التأخير وهي ما اختصت بنفسه من العيوب المانعة من تتمة رميه ، وهي ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما لا يرجى زواله كشلل يده أو ذهاب بصره ، فالفسخ واقع بحدوث هذا المانع ، وليس يحتاج إلى فسخه بالقول .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما يرجى زواله كمرض يده أو رمد عينه أو علة جسده ، فلا ينفسخ العقد بحدوث هذا المانع ، بخلاف الضرب الأول ، لإمكان الرمي بإمكان زواله ، ويكون الفسخ بالقول ، وذلك معتبر بحال صاحبه ، فإن طلب تعجيل الرمي ، فله الفسخ لتعذر التعجيل عليه ، ويكون استحقاق هذا الفسخ مشتركا بينه وبين صاحبه ، ولكل واحد منهما فسخ العقد به ، وإن أجاب صاحبه إلى الإنظار بالرمي إلى زوال المرض ، فهل يكون عذره في الفسخ باقيا أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون باقيا في استحقاق الفسخ : لئلا تكون ذمته مرتهنة بالعقد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني أن عذر الفسخ قد زال بالانتظار ، وليس للمنظر أن يرجع في هذا الإنظار ، وإن جاز له أن يرجع في الإنظار بالديون : لأنه عن عيب رضي به وجرى مجرى الإنظار بالإعسار ، وإن لم يكن لطالب الفسخ عذر في الفسخ .

                                                                                                                                            [ ص: 233 ] فإن قيل بلزوم العقد كالإجارة لم يكن له الفسخ ، وأخذ به جبرا ، فإن امتنع منه حبس عليه كما يحبس بسائر الحقوق إذا امتنع بها ، فإن طال به الحبس ، وهو على امتناعه عزر حتى يجيب ، وإن قيل بجواز العقد كالجعالة ، فله الفسخ قبل الرمي ، وبعد الشروع فيه ، وقبل ظهور الغلبة ، فإن ظهرت الغلبة لأحدهما ، فإن كانت لطالب الفسخ ، فله الفسخ ، وإن كانت لغيره ، ففي استحقاقه للفسخ قولان مضيا :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يستحقه بعد ظهورها ، لتفويت الأغراض المقصودة بعد ظهورها .

                                                                                                                                            والقول الثاني ، وهو الذي نص عليه الشافعي هاهنا : له الفسخ لما علل به من أنه قد يكون له الفضل فينضل ، ويكون عليه الفضل ، فينضل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية