الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والقسم الثاني : أن لا يعين هديه ، ويسمي جنسا يعم أنواعا كقوله : لله علي أن أهدي بدنة ، فاسم البدنة يطلق في العرف على الواحد من الإبل ، ولا يعم أنواعا ، ويطلق في الشرع على الواحد من الإبل ، وعلى الواحد من البقر ، وعلى سبع من الغنم ، لحديث جابر فنحرنا البدنة عن سبعة ، فيصير اسم البدنة في الشرع جنسا ، يعم أنواعا ، فيحمل نذره على موجب الشرع دون العرف ، فيلزمه في نذر هدي بدنة ، أن ينحر بعيرا ، أو بقرة ، أو سبعا من الغنم ، وفي كيفية لزومها وجهان ، كما قلناهما في إفساد الحج :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تلزمه على وجه التخيير في نحر أيها شاء من بعير أو بقرة ، أو سبع من الغنم ، لأن كل واحد منهما يقوم مقام الآخر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها تلزمه على وجه الترتيب ، فينحر بعيرا ، فإن عدمه نحر بقرة ، فإن عدمها ، نحر سبعا من الغنم ، لأن اسم البدن ينطلق على الإبل عرفا ، وشرعا فصارت أصلا . قال الله تعالى : والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها [ الحج : 36 ] . يريد بها الإبل فإذا تقرر الوجهان ، فهل يراعي فيها شروط الضحايا في السن والسلامة من العيوب أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يراعي شروط الضحايا اعتبارا بمطلق الاسم ، فيجزئ صغيرها وكبيرها وسليمها ومعيبها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يراعي شروط الضحايا من سنها وسلامتها وهو منصوص الشافعي اعتبارا بعرف الشرع ، فلا يجزئ منها إلا السليم من عيوب الضحايا ، ويجزئ الخصي فيها لإجزائه في الضحايا ، ولا يجزئ من الإبل والبقر والغنم ، إلا الثني ، فصاعدا ، ويجزئ الضأن الجذع ، فإن عدم هذه الأنواع الثلاثة ، لم يجز أن يعدل عنها إلى الإطعام ، وإن كان في الشرع بدلا منها لانتفاء اسم البدنة عنها ونحن نراعي في النذر [ ص: 487 ] عرف الشرع مع وجود الاسم ، إما حقيقة ، أو مجازا ، لتكون معانيها لها ، وإن كانت في الشرع تبعا لمعانيها ، واسم البدنة لا ينطلق على الطعام حقيقة ، ولا مجازا وإن كانت تنطلق على البقر ، والغنم ، إما حقيقة ، وإما مجازا ، فصار الطعام مسلوب الاسم ، وإن كان بدلا مشروعا ، كما لو نذر عتق عبد فعدمه لم يعدل عنه إلى الصيام ، وإن كانت بدلا من العتق في الكفارات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية