الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أنواع الشفاعة

وقال - رحمه الله تعالى - أيضا: إن الشفاعة ستة أنواع :

فالأول: الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم من الرسل عليهم السلام - حتى تنتهي إليه، فيقول: «أنا لها».

وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف.

وهذه شفاعة يختص بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يشاركه فيها أحد.

الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها، وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه .

الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته، قد استوجبوا النار، فيشفع لهم ألا يدخلوها.

الرابع: شفاعته في العصاة من أهل التوحيد الذين يدخلون النار بذنوبهم، والأحاديث بها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد أجمع عليها الصحابة، وأهل السنة قاطبة، وبدعوا من أنكرها، وصاحوا به من كل جانب، ونادوا عليه بالضلال.

الخامس: شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم، ورفع درجاتهم. وهذا مما لم ينازع فيه أحد.

السادس: شفاعته في بعض الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه. وهذه خاصة بأبي طالب وحده. انتهى .

قلت: لما كان المشركون في قديم الزمان وحديثه إنما وقعوا في الشرك، وابتلوا به ؛ لتعلقهم بأذيال الشفاعة، كان ذلك هضما بحق الربوبية، ونقصا لعظمة الألوهية، وسوء ظن برب العالمين [ ص: 296 ] لأن المتخذ بالشفعاء والأنداد، إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر العالم من وزير أو ظهير، أو معين، فهذا أعظم النقص لمن هو غني عن كل ما سواه بذاته، وكل ما سواه فقير إليه بذاته.

وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع، وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع، أو لا يرضى حتى يجعله الشفيع راضيا فيرضى، أو لا يكفي وحده، أو لا يفعل ما يريده العبد حتى يشفع عنده كما يشفع عند المخلوق، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجاتهم إليه كما هو حال ملوك الدنيا، وهذا أصل شرك الخلق، أو يظن أنه لا يسمع دعاءهم حتى يرفع إليه الشفيع، أو يظن أن للشفيع عليه حقا، فهو يقسم عليه بحقه، فيتوسل إليه بذلك الشفيع، كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم، ولا تمكنهم مخالفته، وهذا هو نقص للربوبية، وهضم لحقها.

فلهذه الأمور وغيرها أخبر سبحانه أن ذلك شرك، ونزه نفسه عنه، فقال: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون [يونس: 18].

التالي السابق


الخدمات العلمية