الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل: من أبواب الشرك الرياء

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: هو مشتق من الرؤية، والمراد به: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها، فيحمدون صاحبها.

والفرق بينه وبين السمعة: أن الرياء لما يرى من العمل؛ كالصلاة، والسمعة لما يسمع؛ كالقراءة والوعظ، والذكر، ويدخل في ذلك التحدث بما عمله.

قال تعالى: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [الكهف:110].

[ ص: 360 ] فيه النهي والتحذير عن الرياء في العمل؛ لأن العمل الصالح هو الذي ليس فيه رياء ولا سمعة.

والنكرة في سياق النفي تعم، وهذا العموم يتناول الأنبياء والملائكة والصالحين والأولياء وغيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية الإمام -رحمه الله-: أما اللقاء، فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة، وقالوا: لقاء الله يتضمن رؤيته -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، وذكر الأدلة على ذلك، محلها غير هذا المقام.

وقال ابن القيم -رحمه الله- في هذه الآية: كما أنه الواحد لا إله سواه، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له.

وكما تفرد بالإلهية، يجب أن يفرد بالعبودية، فالعمل الصالح: هو الخالص من الرياء، المقيد بالسنة. انتهى.

زاد في «فتح المجيد»: وفي الآية دليل على أن أصل الدين الذي بعث الله به رسوله -صلى الله عليه وسلم- والمرسلين قبله، هو إفراد الله تعالى بأنواع العبادة؛ كما قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون [الأنبياء: 25].

والمخالف لهذا الأصل الثابت من هذه الآية أقسام: إما طاغوت ينازع الله في ربوبيته وإلهيته، ويدعو الناس إلى عبادته. أو طاغوت يدعو الناس إلى عبادة الأوثان. أو مشرك يدعو غير الله، ويتقرب إليه بأنواع العبادة أو بعضها. أو شاك في التوحيد، أهو حق أم يجوز أن يجعل لله شريك في عبادته؟ أو جاهل يعتقد أن الشرك دين يقرب إلى الله.

قال: وهذا هو الغالب على أكثر العوام؛ لجهلهم وتقليدهم من قبلهم لما اشتدت غربة الدين، ونسي العلم بدين المرسلين، انتهى.

[ ص: 361 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية