الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
المحبة الشركية

وأما المحبة الشركية التي تقدم بيانها، فقليلها وكثيرها ينافي صدق محبة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي بعض الأحاديث: «أحبوا الله بكل قلوبكم».

فمن علامات هذه المحبة: أن يحب ما يحبه الله، ويكره ما يكرهه الله، ويؤثر مرضاته على ما سواه، ويسعى فيما يرضاه ما استطاع، ويبعد عما حرمه الله، ويكرهه أشد الكراهة، ويتابع رسوله في كل ما يأتي به ويذر، ويمتثل أمره، ويترك نهيه، كما قال سبحانه: من يطع الرسول فقد أطاع الله [النساء: 80].

فمن آثر أمر غيره على أمره، ولو بتأويل مذهبي، أو توجيه قياسي، وخالف ما نهى عنه، ولو بتكلف عرفي، وتسويل فقهي، فذلك علم على عدم محبة الله ومحبة رسوله، [ ص: 350 ] فإن محبة الرسول من لوازم محبة الله، فمن أحب الله وأطاعه أحب الرسول وأطاعه، ومن لا فلا، كما في آية المحبة ونظائرها، وبالله التوفيق.

وقد أكثر الناس من العلماء والجهلاء دعوى محبتهم لله ولرسوله، وصاحوا بها لسانا وبيانا، وهم يقدمون الرأي على الرواية، ويأتون بما يخالف صرائح النصوص القرآنية، والأدلة الحديثية.

ومنهم من يحتفل بالموالد في شهر ربيع الأول، ومنهم من ينظم غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومنهم من يقول قصائد في مديحه -عليه السلام- ويطري فيها بما يخرج عن دائرة الحق، ونحو هذا، ويزعم أن هذا الصنيع منه علم للمحبة.

ولا يدري هذا المسكين أن الإتيان بالبدعة، وبما يخالف السنة، ليس بمحبة، بل دليل على بغضه صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بالله منه.

وكيف يرضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن يخالفه ليلا ونهارا في الاعتقاد والعمل، ولا يخاف الله -عز وجل- في مخالفته هذه؟! وهل تصح المحبة بالمخالفة أم هي تكون في الموافقة؟! ألا ترى أنه لا تستقيم المحبة المجازية مع المحبوب المجازي إلا بالوفاق؟!

فكيف تستقيم المحبة الحقيقية مع المطلوب الحقيقي في الخلاف؟!


فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذه الثلاث، من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ لأن وجود الحلاوة لشيء يتبع المحبة له، فمن أحب شيئا واشتهاه -إذا حصل له مراده- فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك.

واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم، الذي هو المحبوب أو المشتهى.

قال: فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح، تتبع كمال محبة العبد لله، وذلك بثلاثة أمور:

ا- تكميل هذه المحبة، 2- وتفريعها، 3- ودفع ضدها.

[ ص: 351 ] فتكميلها: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما؛ فإن محبة الله ورسوله لا يكتفى فيها بأصل الحب، بل لا بد أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية