إسلام ويب - الدين الخالص - النصيب الأول في بيان إثبات التوحيد ونفي الإشراك - باب في رد الإشراك في العبادات

قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا [آل عمران: 64]. [ ص: 66 ] وذلك أن النصارى عبدوا غير الله، وهو المسيح، وأشركوا به، وهو قولهم: آب، وابن، وروح القدس، فجعلوا الواحد ثلاثة.

وقد أخرج البخاري، ومسلم، والنسائي، عن ابن عباس، قال: حدثني أبو سفيان: أن هرقل دعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأ، فإذا فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت، فإن عليك إثم الأريسيين. و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلى قوله: بأنا مسلمون » .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس: أن كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الكفار: تعالوا إلى كلمة الآية.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن جريج، قال: بلغني أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- دعا يهود المدينة إلى ما في هذه الآية، فأبوا عليه، فجاهدهم حتى أقروا بالجزية.

وعن قتادة قال: ذكر لنا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء: ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله تبكيت لمن اعتقد ربوبية المسيح وعزير، وإشارة إلى أن هؤلاء من جنس البشر، وبعض منهم، وإزراء على من قلد الرجال في دين الله، فحلل ما حللوه، وحرم ما حرموه عليه. فإن من فعل ذلك، فقد اتخذ من قلده ربا، ومنه اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [التوبة: 31].

قال ابن جريج: أي: لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله.

ويقال: إن تلك الربوبية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة، وإن لم يصلوا لهم.

[ ص: 67 ] وعن عكرمة، قال: سجود بعضهم بعضا. فإن تولوا أعرضوا عن التوحيد فقولوا أي: أنت والمؤمنون: اشهدوا بأنا مسلمون موحدون، لما لزمتكم الحجة، فاعترفوا بأنا مسلمون.

وقال تعالى: واعبدوا الله [النساء: 37] يعني: وحدوه وأطيعوه. وعبادة الله عبارة عن كل فعل يأتي به العبد لمجرد الله سبحانه. ويدخل فيه جميع أعمال القلوب، وأفعال الجوارح.

ولا تشركوا به شيئا إما مفعول به؛ أي: شيئا من الأنبياء من غير فرق بين حي وميت، وجماد وحيوان، وإما مصدر؛ أي: شيئا من الإشراك، من غير فرق بين الشرك الأكبر والأصغر، والواضح والخفي.

وقال تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم [المائدة: 72] أي: والحال أن قد قال المسيح هذه المقالة، فكيف يدعون الإلهية لمن يعترف على نفسه بأنه عبد مثلهم، ودلائل الحديث ظاهرة عليه؟

إنه أي: الشأن: من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة . فيه بيان أن الشرك يوجب تحريم دخول الجنة إذا مات صاحبه على شركه، وقيل: هو من قول عيسى.

ومأواه النار أي: مصيره إليها في الآخرة وما للظالمين من أنصار أي: المشركين، فينصرونهم فيدخلونهم الجنة، أو يخلصونهم من النار ويمنعونهم. وصيغة الجمع هنا للإشعار بأن نصرة الواحد أمر غير محتاج إلى التعرض لنفيه؛ لشدة ظهوره، وإنما ينبغي التعرض لنفي نصرة الجمع.

لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة [المائدة: 73]، وهم النصارى، والمراد بالثلاثة: الله سبحانه، وعيسى، ومريم. [ ص: 68 ] كما يدل عليه قول الله تعالى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين [المائدة: 116] قال في «فتح البيان»: ولا ترى في الدنيا مقالة أشد فسادا، ولا أظهر بطلانا من مقالة النصارى.

وما من إله إلا إله واحد [المائدة: 73] أي: ليس في الوجود إله لا ثاني له، ولا شريك له، ولا ولد له، ولا صاحبة له، إلا الله سبحانه. وإن لم ينتهوا عما يقولون من الكفر، ومن هذه المقالة الخبيثة: ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أي: نوع شديد الألم في العذاب، وجيع في الآخرة.

وقال تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن [الأنعام: 100]، فعبدوهم كما عبدوه، وعظموهم كما عظموه.

وقال الحسن: أي: أطاعوا الجن في عبادة الأوثان. وقال الزجاج: أطاعوهم فيما سولت لهم في شرك. وقيل: المراد بالجن هنا: الملائكة؛ لاستتارهم.

وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون على غير مثال سبق أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة والصاحبة إذا لم توجد، استحال وجود الولد.

وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم لا يخفى عليه من مخلوقاته خافية. وهذه الآية حجة قاطعة على فساد قول النصارى.

وقال تعالى: و قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا [الأعراف: 70] من الأصنام والأوثان ونحوها، وهذا داخل في جملة ما استنكروه. وهكذا يقول المقلد لأهل الاتباع، والمبتدعة لأهل السنة، والمشركون لأصحاب التوحيد.

[ ص: 69 ] فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين هذا استعجال منهم بالعذاب الذي كان هود - عليه السلام - يعدهم به؛ لشدة تمردهم على الله، ونكوصهم عن طريق الحق، وبعدهم عن اتباع الصواب.

وقال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا أي: والحال أنهم ما أمروا في الكتب القديمة المنزلة عليهم على ألسنة أنبيائهم إلا بعبادة الله وحده. لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون أي: تنزيها له عن الإشراك في طاعته وعبادته.

قال تعالى: قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا [هود: 62] أي: الذي أظهرته من دعوتك إلى التوحيد أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه من عبادة الله وحده مريب يعني: أننا مرتابون في عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان. فالآية الشريفة فيها دلالة على رد الإشراك في العبادة.

وقال تعالى: قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به [الرعد: 36] بوجه من الوجوه؛ أي: قل لهم ذلك؛ إلزاما للحجة، وردا للإنكار: إنما أمرت - فيما أنزل إلي - بعبادة الله وحده من دون شرك به في شيء منها. وهذا أمر اتفقت عليه الشرائع، وتطابقت على عدم إنكاره جميع الملل المقتدية بالرسل.

إليه أي: إلى الله وحده، لا إلى غيره أدعو وإليه مآب لا إلى غيره. قال قتادة: إليه مصير كل عبد.

وقال تعالى: فاصدع بما تؤمر [الحجر: 94] من الشرائع، وأظهره. وقيل: اقصد، وقيل: فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد. وأعرض عن المشركين [الحجر: 94] أي: لا تبال بهم، ولا تلتفت إليهم. [ ص: 70 ] إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر [الحجر: 95، 96] أي لم يكن ذنبهم مجرد الاستهزاء، بل لهم ذنب آخر، وهو الشرك بالله سبحانه.

ثم توعدهم فقال: فسوف يعلمون كيف عاقبتهم في الآخرة، وما يصيبهم من عقوبة الله. فيه: أنهم كانوا مشركين به سبحانه في العبادة، فاستحقوا هذا الوعيد.

وقال تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله [النحل: 36] وحده واجتنبوا الطاغوت . أي: اتركوا كل معبود من دون الله؛ كالشيطان، والكاهن، والمنجم، والساحر، والصنم، والوثن، وكل من دعا إلى الضلال. فمنهم من هدى الله أي: أرشده إلى دينه، وتوحيده، وعبادته، واجتناب الطاغوت، فآمن. ومنهم من حقت عليه الضلالة أي: وجبت، وثبتت بالقضاء السابق في الأزل لإصراره على الشرك والكفر، والعناد، فلم يؤمن.

قال في «فتح البيان»: وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته، واجتناب الشيطان، وكل ما يدعو إلى الضلال، وأنهم بعد ذلك فريقان، فكان في ذلك دليل على أن أمر الله لا يستلزم موافقة إرادته، فإنه يأمر الكل بالإيمان، ولا يريد الهداية إلا للبعض، إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد. انتهى.

والآية على هذا شاملة لكل داع إلى الضلالة، كائنا من كان، وأينما كان، وفي أي وقت وزمان كان، وعلى أن الداعي إليها داخل في مفهوم الطاغوت. فهؤلاء الكذابون الدجالون الداعون إلى مذهب الدهر، وإنكار المعاد، ووجود الملائكة، والشياطين، والجن، جميعهم طاغوت يجب الاجتناب عنهم، والأمر للوجوب.