الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ما يستحقه الساحر من العقوبة

وفي «الروضة الندية شرح الدرر البهية» في باب: من يستحق القتل حدا، ما نصه: والساحر؛ لكون عمل السحر نوعا من الكفر، ففاعله مرتد، يستحق ما يستحقه المرتد.

وقد روى الترمذي، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم من حديث جندب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «حد الساحر ضربة بالسيف».

قال الترمذي: والصحيح عن جندب موقوفا، قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وهو قول مالك بن أنس.

وقال الشافعي: الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر، فإذا عمل عملا دون الكفر، فلم نر عليه قتلا.

[ ص: 307 ] وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف.

وأخرج أحمد، وعبد الرزاق، والبيهقي: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتب قبل موته بشهرين: اقتلوا كل ساحر وساحرة.

والأرجح ما قاله الشافعي؛ لأن الساحر إنما يقتل لكفره، فلا بد أن يكون ما عمله من السحر موجبا للكفر.

قال في «المسوى شرح الموطأ»: السحر كبيرة.

قال تعالى: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر [البقرة: 102].

واختلف في ذلك أهل العلم.

فقال مالك، وأحمد: يقتل الساحر.

وقال الشافعي: ما تقدم.

ولو قتل الساحر رجلا بسحره، وأقر أني سحرته، وسحري يقتل غالبا، يجب عليه القود عند الشافعي، ولا يجب عند أبي حنيفة، ولو قال: سحري قد يقتل، وقد لا يقتله فهو شبه عمد.

ولو قال: أخطأت إليه من غيره، فهو خطأ تجب فيه الدية المخففة، وتكون في ماله؛ لأنه ثبت باعترافه، إلا أن يصدقه العاقلة، فتكون عليهم.

أقول: لا شك أن من تعلم السحر بعد إسلامه، كان بفعل السحر كافرا مرتدا، وحده حد المرتد، وقد تقدم.

وقد ورد في الساحر بخصوصه أن حده القتل.

ولا يعارض ذلك ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل لبيد بن الأعصم الذي سحره، فقد يكون ذلك قبل أن يثبت أن حد الساحر القتل، وقد يكون ذلك لأجل خشية معرة اليهود، وقد كانوا أهل شوكة، حتى أبادهم الله، وفل شوكتهم، وأقلهم وأذلهم.

[ ص: 308 ] وقد عمل الخلفاء الراشدون على قتل الساحر، وشاع ذلك وذاع، ولم ينكره أحد. انتهى.

وفي تفسير «فتح البيان» في قوله سبحانه: واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان يعني: بالسحر، ولم يعمل به.

وفيه تنزيه سليمان -عليه السلام- عن السحر، ولم يتقدم أن أحدا نسبه إلى الكفر، ولكن لما نسبه اليهود إلى السحر، صاروا بمنزلة من نسبه إلى الكفر؛ لأن السحر يوجب ذلك.

وقالوا: إن سليمان ملك الناس بالسحر؛ ولهذا أثبت الله سبحانه كفر الشياطين، فقال: ولكن الشياطين كفروا أي: بتعليمهم يعلمون الناس السحر ، وهو ما يفعله الساحر من الحيل والتخيلات التي يحصل بسببها للمسحور ما يحصل من الخواطر الفاسدة، الشبيهة بما يقع لمن يرى السراب فيظنه ماء، وما يظنه راكب السفينة، أو الدابة من أن الجبال تسير.

التالي السابق


الخدمات العلمية