الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن العدة لا تسقط عنها فلا يختلف المذهب أن ما بين الرجعة والطلاق الثاني غير محتسب به من العلة ؛ لأنه زمان قد كانت فراشا فيه فلم يجز أن تعتد به ، لأن الفراش إباحة والعدة تحريم فصارا ضدين فامتنع أن يجتمعا ، فأما ما مضى من العدة بعد الطلاق الأول ، وقبل الرجعة ، فهل تعتد به وتبني عليه أم لا ؟ على قولين : أحدهما : وبه قال مالك أنها تعتد به وتبني عدة الطلاق الثاني على عدة الطلاق الأول ويكون الطلاق الثاني قد تقدم الرجعة إذا لم يتعقبها دخول . والقول الثاني : وبه قال أبو حنيفة ، واختاره المزني أنها لا تعتد بما مضى قبل الرجعة وتستأنف العدة من الطلاق الثاني ، وتكون الرجعة قد هدمت عدة الطلاق الأول كما لو تعقبها دخول ، فإذا قيل بالأول أنها تبنى على عدة الطلاق الأول ، لا تستأنف وهو مذهب مالك فدليله ثلاثة أشياء : أحدها : قول الله تعالى ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا [ البقرة : 231 ] فلو أوجبت استئناف العدة لصار ممسكا لها إضرارا بها ، وذلك منهي عنه . والثاني : أن مقصود الرجعة هو الإصابة وهي أضعف من عقد النكاح وليست بأقوى منه فلما كان الطلاق يرفع عقد النكاح إذا خلا من إصابة فأولى أن يرفع الرجعة إذا خلت من إصابة فإذا رفعها صار كطلاق بعد طلاق لم يتخللها رجعة ، وذلك يوجب لبناء العدة دون الاستئناف . والثالث : أن استئناف العدة من الطلاق الثاني مفض إلى سقوط العدة بالطلاق الثاني ؛ لأنه طلاق خلا من إصابة فلما لم يجز هذا ، حمل الطلاق الثاني على عدة الطلاق الأول . [ ص: 229 ] وإذا قيل بالثاني : إنها تستأنف العدة من الطلاق الثاني ، ولا تبني على عدة الطلاق الأول ، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار المزني فدليله ثلاثة أشياء : أحدها : قول الله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] وهذه مطلقة . والثاني : أن الرجعة قد رفعت تحريم الطلاق فارتفع بها حكم الطلاق فصار الطلاق الثاني هو المختص بالتحريم فوجب أن يكون مختصا بوجوب العدة بعد التحريم . والثالث : أنها قد تسري في العدة بطلاقه كما تسري فيها بردته ، والعدة ترتفع برجعته كما ترتفع بإسلامه ، ثم ثبت أنه لو طلقها بعد إسلامه استأنف العدة ولم يبن كذلك إذا طلقها بعد الرجعة استأنف العدة ولم تبن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية