الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويوقفن حتى يشهدن أن قد رضع المولود خمس رضعات يخلصن كلهن إلى جوفه وتسعهن الشهادة على هذا ؛ لأنه ظاهر علمهن ، وذكرت السوداء أنها أرضعت رجلا وامرأة تناكحا فسأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك : فأعرض فقال " وكيف وقد زعمت السوداء أنها قد أرضعتكما ( قال الشافعي ) إعراضه صلى الله عليه وسلم يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه ، وقوله : وكيف وقد زعمت السوداء أنها قد أرضعتكما يشبه أن يكره له أن يقيم معها وقد قيل إنها أخته من الرضاعة وهو معنى ما قلنا يتركها ورعا لا حكما " . قال الماوردي : وهذا صحيح ، لا تسمع الشهادة على الرضاع مع اختلاف الناس فيه إلا مشروحة ينتفي عنها الاحتمال وينقطع بها النزاع ، فإذا شهدن أنهما أخوان من الرضاع لم تسمع شهادتهن حتى يصفن الرضاع ، ويذكرن العدد وصفة الرضاع ، فجمع ثلاثة شروط : أحدها : معاينة التقام المولود لثدي المرأة ؛ لأن هذا إنما يعاين ويشاهد فلم يعمل فيه على الاستدلال كالقاتل والمقتول ، والغاصب والمغصوب ، فلو دخل المولود [ ص: 406 ] في ثياب المرضعة مستترا بها لم تصح شهادتهن بالرضاع لعدم الرؤية قطعا . والثاني : أن يشهدن أن في ضرع المرضعة لبنا بفعل المفطوم ، وعلمهن بوجود اللبن في الثدي يكون بأن يحلب فيرى لبنه ، وهذا محتاج إليه في الرضعة الأولى فأما فيما بعدها إلى استكمال الخمس فلا يحتاج إليه إن قرب الزمان ؛ لتقدم العلم به ، ويحتاج إلى مشاهدته بعد تطاول الزمان وبعده . والثالث : أن يشهدن بوصول اللبن إلى جوفه ، وهذا يعمل فيه على الاستدلال ؛ لأن الشهادة فيه متعذرة ؛ لأنه إذا علم جوع الطفل ، وقد التقم الثدي ومصه وتحرك حلقومه حركة الشرب وسكن ما كان فيه من الهتم بالتقام الثدي علم وصول اللبن إلى جوفه بظاهر الاستدلال ، وغالب الظن الذي لا يوجد طريق إلى الزيادة عليه ، فجازت الشهادة به قطعا مع عدم المشاهدة ، لأنها غاية ما يعلم به مثله ، كالشهادة بالأنساب والأملاك حيث جازت بشائع الخبر فتحررت بصفة الشهادة هذه الشروط أن يشهدن فيقلن : نشهد أنه التقم ثديها ، وفيه لبن ارتضع خمس رضعات وصلن كلهن إلى جوفه فيحكم حينئذ بشهادتهن لا ينفى الاحتمال عنها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية