الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : المسألة الثانية أن يقول لها : زنيت وأنت نصرانية أو يهودية ، فلها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلم أنها كانت نصرانية .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعلم أنها لم تزل مسلمة .

                                                                                                                                            والثالث : أن يجهل حالها .

                                                                                                                                            فأما الحال الأولى ، وهو أن يعلم أنها كانت نصرانية ، فلا حد عليه بقذفها في حال النصرانية لعدم كمالها ، ويعزر تعزير القذف ؛ لأنه قاذف وله أن يلاعن منه ، فلو اختلفا فقالت : أردت قذفي بعد إسلامي فعليك الحد ، وقال : بل أردت قذفك قبل إسلامك فلا حد علي ، فالذي قاله أبو القاسم الداركي ، وأبو حامد الإسفراييني : أن القول قولها مع يمينها ، وعليه الحد إلا أن يلاعن .

                                                                                                                                            [ ص: 111 ] لأن قوله : زنيت يقتضي القذف في الحال ، وقوله : وأنت نصرانية يقتضي الإخبار عن تقدم حالها ، فصار الظاهر معها ، والذي أراه أن القول قوله مع يمينه ولا حد عليه ؛ لأنه لما وصل قوله : زنيت ، بقوله : وأنت نصرانية ، كان أظهر احتماليه إضافة الزنا إلى النصرانية ليكون أحدهما تعلق بالآخر ، ولو استوى الاحتمالان لوجب أن تدرأ الحدود بالشبهات .

                                                                                                                                            وأما الحال الثانية : وهو أن يعلم أنها لم تزل مسلمة فقد صار قاذفا لها بالزنا ، وراميا لها بالكفر ، فعليه الحد في قذفها إلا أن يلاعن ، وعليه التعزير في رميها بالنصرانية لأجل الأذى .

                                                                                                                                            وأما الحال الثالثة : وهو أن يجهل حالها ، فلم يعلم هل كانت نصرانية أم لا ؟ فإنها تسأل ، فإن اعترفت بتقدم النصرانية كان على ما مضى إذا علم نصرانيتها ، وإن لم تعترف بالنصرانية وأنكرتها ، ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القول قوله مع يمينه ويعزر ولا حد عليه ؛ لأن دار الإسلام تجمع الفريقين ، وجنب المؤمن حمى ، والحدود تدرأ بالشبهات ، وله أن يلاعن في هذا التعزير لأنه تعزير قذف .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن القول قولها مع يمينها أنها لم تزل مسلمة ويحد لها إلا أن يلتعن ؛ لأن الظاهر من دار الإسلام إسلام أهلها ، فجرى حكم الإسلام عليهم كما يجري حكم الإسلام على اللقيط إذا جهلت حاله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية