الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو قال : زنى فرجك أو يدك أو رجلك فهو قذف " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذه المسألة ذكرها المزني في مختصره ولم يذكرها في جامعه ، فجعل قوله لها : زنى فرجك أو يدك ، أو رجلك ، قذفا ولم يذكر الشافعي هذه المسألة إلا في القديم فقال : ولو قال : زنى فرجك فهو قاذف ، وإن قال : يدك أو [ ص: 130 ] رجلك ، فقد قال بعض الناس - يعني أبا حنيفة : في البدن وهو قاذف ، وفي اليد والرجل لا يكون قاذفا ، ولا في العين ، قال الشافعي : هذا كله ما عدا الفرج واحد ولم يصرح أنه واحد في القذف ، فلم يختلف أصحابنا أنه إذا قال : زنى فرجك ، أنه قاذف ، وإذا قال : زنت عينك ، لم يكن قاذفا ، واختلفوا فيما سوى ذلك من الأعضاء : هل يكون قاذفا بإضافة الزنا إليها أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة ، لا يكون قاذفا إذا قال : زنت يدك ، أو رجلك ، أو رأسك ، أو يدك ، وهو ظاهر كلام الشافعي - رضي الله عنه - في القديم ، ونسبوا المزني إلى الخطأ في نقله ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العينان تزنيان وزناهما النظر ، واليدان تزنيان وزناهما اللمس ، ويصدق ذلك كله أو يكذبه الفرج ، ولأن بالفرج يكون الزنا بخلاف سائر الأعضاء .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يكون بجميع ذلك قاذفا كالفرج على ما نقله المزني كما يستوي جميعه في الطلاق .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو الصحيح عندي ، وبه قال أبو العباس بن سريج أنه إذا قال : زنى بدنك كان قاذفا ، ولو : قال زنت يدك أو رجلك أو رأسك لم يكن قاذفا ؛ لأن البدن هو الجملة التي فيها الفرج ، فلم يجز أن يكون بالفرج قاذفا وبالبدن الذي منه الفرج ليس بقاذف ، فأما سائر الأعضاء من الرأس والبدن ، واليد والرجل ، فلا تختص بالزنا فلا يكون بها قاذفا كالعين ، فأما أبو حنيفة - رضي الله عنه - فإنه فرق فيها بين الأعضاء التي لا تبقى الحياة بانفصالها وبين ما تبقى الحياة بانفصالها فجعله قاذفا بقوله : زنى رأسك ولم يجعله قاذفا بقوله : زنت يدك أو رجلك ، وبناه على مذهبه في الطلاق الذي تقدم الكلام فيه ، والدليل على استواء حكم ما يحفظ الحياة وما لا يحفظها ، أن كل ما لو نسبه منها إلى نفسه لم يكن مقرا بالزنا لم يكن إذا نسبه إلى غيره قاذفا بالزنا ، كالعين طردا والفرج عكسا لاستواء الإقرار بالزنا والقذف به في الصريح والكناية .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية