الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أقامت البينة أنه قذفها كبيرة وأقام البينة أنه قذفها صغيرة فهذان قذفان مفترقان ، ولو اجتمع شهودهما على وقت واحد فهي متصادمة ولا حد ولا لعان " . قال الماوردي : وإذا اختلف في القذف فادعت الزوجة أنه قذفها كبيرة ، وأقر الزوج أنها كانت وقت قذفه لها صغيرة ، فإن لم تكن لها بينة فالقول قوله مع يمينه أنها كانت حين قذفها صغيرة ولا حد عليه ؛ لأن الصغر يقين ، وجنب المؤمن حمى ، وعليه التعزير ؛ لأن قذف الصغيرة يوجبه ، فإن لم تكن في الصغر زوجته ، فليس له أن يلتعن من تعزير وجب في غير الزوجية ، كما لم يلتعن من حد وجب في غيرها ، وإن كانت في الصغر زوجته نظر ، فإن نسب ذلك إلى حال يجامع مثلها فهو تعزير قذف يجوز أن يلاعن منه . وإن قامت البينة على ما ادعت من قذفه لها في الكبر حكم بها ووجب عليه الحد وله أن يلتعن منه ، وإن عارض بينتها ببينة شهدت له أنه قذفها في الصغر فللبينتين حالتان : اتفاق ومضادة . فأما الحالة الأولى : وهي الاتفاق الممكن فقد تكون على أحد الوجهين : إما أن تطلق البينتان الشهادة من غير تاريخ ، وإما أن تؤرخا تاريخين مختلفين ، فيعمل بشهادتهما ، ويصير قاذفا لها قذفين : أحدهما : في الصغر ببينته . [ ص: 144 ] والثاني : في الكبر ببينتها ، فوجب عليه بقذف الصغر التعزير ، وبقذف الكبر الحد . وله حالتان : أحدهما : أن يلتعن فيسقط بلعانه الحد ، والتعزير إن كان تعزير قذف ، ولا يسقط بلعانه إن كان تعزير أذى ويستوفى منه بعد اللعان . والحالة الثانية : أن لا يلتعن فيقام حد القذف في الكبر ، وأما التعزير للقذف في الصغر ، فإن كان تعزير أذى لكونها في صغر لا يجامع مثلها فيه لم يدخل هذا التعزير في حد القذف لاختلاف مستحقها ؛ لأن التعزير من حقوق الله عز وجل والحد من حقوق الآدميين ، وإن كان تعزير قذف لكونها في صغر يجامع مثلها فيه فهما جميعا من حقوق الآدميين ، وفي دخول التعزير في الحد وجهان : أحدهما : يدخل فيه ؛ لأنه من جنسه ومستحقه كدخول الحدث في الجنابة ويقتصر فيه على الحد وحده . والوجه الثاني : لا يدخل فيه ، لأن حقوق الآدميين لا تتداخل ، فيقام عليه التعزير ثم الحد . فصل : فأما الحالة الثانية : وهي مضادة الشهادتين ، فهو أن يختلفا في التاريخ ويختلفا في السن ، فتشهد بينتها أنه قذفها مستهل المحرم وهي كبيرة وتشهد ، بينته أنه قذفها مستهل المحرم وهي صغيرة فيستحيل أن تكون صغيرة كبيرة في وقت واحد ، فصار في الشهادتين تكاذب تعارضتا فيه ، وفي تعارض الشهادتين قولان : أحدهما : يسقطان ، فعلى هذا يصير القول فيه قول الزوج مع يمينه أنه قذفها في الصغر ، وله أن يلتعن منها إن كان تعزير قذف ، ولا يلتعن إن كان تعزير أذى ، وله أراد الشافعي بقوله : لا حد ، ولا لعان . والقول الثاني : في تعارض الشهادتين أنهما تستعملان ، وفي استعمالهما ثلاثة أقوال : أحدها : يوقفان حتى يقع البيان ، والوقف هاهنا لا وجه له لفوات البيان . والقول الثاني : يعمل بهما في قسمة الدعوى ، والقسمة هاهنا لا تعم ، لأن القذف لا يتبعض . والقول الثالث : يقرع بينهما ، والقرعة مرجحة هاهنا ، فأي البينتين قرعت حكم بها ، وهل يحلف من قرعت بينته أم لا ؟ فيه قولان مبنيان على اختلاف قوليه في القرعة ، هل دخلت مرجحة للدعوى أو البينة ؛ فإن قيل : إنها مرجحة للدعوى حلف صاحبها ، وإن قيل : إنها مرجحة للبينة لم يحلف والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية