الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو جاء بشاهدين على إقرارها بالزنا لم يلاعن ولم يحد ولا حد عليها " . قال الماوردي : أما الشهادة على الإقرار بالزنا ففيها قولان : أحدهما : قاله في القديم : لا يقبل منه أقل من أربعة كما لا يقبل على فعل الزنا أقل من أربعة ؛ ليكون الفرع معتبرا بأصله قياسا على غير الزنا من الحقوق التي لا يقبل في الإقرار بها إلا ما يقبل في أصلها . كالقتل يقبل فيه وفي الإقرار به شاهدان ، وكالدين يقبل فيه وفي الإقرار به شاهد وامرأتان ، فعلى هذا إن أقام الزوج على إقرارها بالزنا شاهدين لم يسقط عنه حد القذف ، وكان مأخوذا به إلا أن يلتعن ؛ لأن بينة الإقرار لم تكتمل . والقول الثاني : قال في الجديد : يقبل في الإقرار بالزنا شاهدان ، وإن لم يقبل في فعل الزنا إلا أربعة ، لأن اختلاف حكمهما يقتضي اختلاف حكم الشهادة فيهما ؛ لأن المقر له بالزنا لا يتحتم حده ، لأن له إسقاطه بالرجوع في إقراره ، والمشهود عليه بفعل الزنا محتوم الحد لا سبيل إلى إسقاطه عنه فتغلظت البينة في الحد وتحققت في الإقرار ، وليس كذلك سائر الحقوق لاستواء الحكم فيها وفي الإقرار بها ؛ لأن المقر بالقتل مأخوذ بالقول كالمشهود عليه بالقتل ، فاستوت البينة في القتل وفي الإقرار به [ ص: 140 ] لاستواء حكمها ؛ لأن من قال : أقررت بالزنا لم يحد ، ومن قال : أقررت بالقتل أقيد ، فعلى هذا إذا أقام الزوج بعد قذفها شاهدين على إقرارها بالزنا سقط عنه الحد ولم يجب عليها الحد ؛ لأن بإنكارها رجوعا في الإقرار ، فلو أراد الزوج أن يقيم البينة على زناها ، ففي جواز ذلك وجهان : أحدهما - وهو قول أبي الطيب بن سلمة - : يجوز له ذلك تصديقا لقذفها وتكذيبا لإنكارها . والوجه الثاني وهو الأصح : لا يجوز له ذلك ، ويمنع من التعرض له ؛ لأنه لا يستفيد به حقا ؛ لأن حده قد سقط بإقرارها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية