الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو مات أحدهما ثم التعن نفي عنه الحي والميت ، ولو نفى ولدها بلعان ثم ولدت آخر بعده بيوم فأقر به لزماه جميعا ؛ لأنه حمل واحد وحد لها إن كان قذفها ، ولو لم ينفه وقف ، فإن نفاه وقال : التعاني الأول يكفيني لأنه حمل واحد لم يكن ذلك له حتى يلتعن من الآخر ( وقال ) بعض الناس : لو مات أحدهما قبل اللعان لاعن ولزمه الولدان وهما عندنا وعنده حمل واحد فكيف يلاعن ويلزمه الولد ؟ قال : من قبل أنه ورث الميت قلت له : ومن زعم أنه يرثه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا مات الولد قبل الالتعان جاز أن ينفيه باللعان بعد موته .

                                                                                                                                            [ ص: 96 ] وقال أبو حنيفة : إذا مات قبل اللعان ورثه ولم يجز أن ينفيه باللعان بعد موته ، واستدل على ذلك بثلاثة أشياء :

                                                                                                                                            أحدها : أن من مات على حكم استقر ذلك الحكم بموته ، كمن مات عبدا لم يجز أن يعتق بعد موته ، أو مات كافرا لم يصر مسلما بعد موته ، كذلك هذا الولد مات ابنا فلم ترتفع بنوته بعد موته .

                                                                                                                                            والثاني : أنه بالموت قد صار وارثا له وميراثه اعتراف به ، والمعترف بالولد لا يجوز له نفيه .

                                                                                                                                            والثالث : أنه لما لم يجز أن يرتفع باللعان فراش زوجته بعد الموت لم يجز أن ينفي به نسب ولده بعد الموت .

                                                                                                                                            ودليلنا : هو أن نسب الحي أقوى من نسب الميت . فلما جاز أن ينفي باللعان أقوى النسبين كان أن ينفي أضعفهما أولى .

                                                                                                                                            لأن الداعي إلى نفيه في الحياة أمران : أن لا ينتسب إليه ، وأن لا يلزمه مونته ، وهذان موجودان بعد الموت كوجودهما قبله ، فاقتضى أن يستوي الحالان في نفيه ؛ لأنه لما جاز أن يلحق به النسب [ يوم ] الموت جاز أن ينفى عنه بعد الموت ليستوي حكم اللحوق والنفي بعد الموت كما استويا قبله ، فأما الجواب عن الاستدلال بأن ثبوت الحكم إلى الموت يمنع من ارتفاعه بعده كالكفر والرق فيما تقدمهما ، فذلك ما استقر بالموت ولم يتغير بعده ، وليس كذلك نفي النسب لأنه يوجب ارتفاعه من أصله ولا يثبت له فيما بعد عن النسب ، فجاز أن ينفيه ليرتفع قبل الموت وبعده ، وكذلك الجواب عن رفع الفراش باللعان ، أنه رافع في الحال مع ثبوته من قبل وقد ارتفع بالموت ، فلم يبق لرفعه بعد الموت تأثير بخلاف النسب .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن الميراث فهو عندنا غير وارث إذا التعن منه ، فلم يسلم لهم الاستدلال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية