الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو بانت فقذفها بزنا نسبه إلى أنه كان وهي زوجته حد ولا لعان ، إلا أن ينفي به ولدا أو حملا فيلتعن . فإن قيل : فلم لاعنت بينهما وهي بائن إذا ظهر بها حمل ؟ قيل : كما ألحقت الولد لأنها كانت زوجته فكذلك لاعنت بينهما لأنها كانت زوجته ، ألا ترى أنها إن ولدت بعد بينونتها كهي وهي تحته ، وإذا نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولد وهي زوجة ، فإذا زال الفراش كان الولد بعدما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله قبل أن تبين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا بانت منه زوجته إما بالطلاق الثلاث ، وإما بالخلع ، وإما بالفسخ ، وإما بطلاق رجعي لم يراجع فيه حتى انقضت العدة فصارت بهذه الأمور بائنا ، ثم قذفها بزنا نسبة إلى أنه كان منها وهي زوجته فالحد عليه واجب ، واختلف الناس في جواز لعانه منها على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول عثمان البتي : له أن يلاعن سواء أراد أن ينفي به نسبا أو لم يرد .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : وهو قول أبي حنيفة : ليس له أن يلاعن ، سواء أراد أن ينفي به نسبا أو لم يرد . وبه قال الأوزاعي ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث - وهو قول الشافعي - : إن أراد أن ينفي به نسبا كان له أن يلاعن ، وإن لم يرد أن ينفي به نسبا لم يكن له أن يلاعن ، فأما عثمان البتي ، فاستدل على جواز اللعان في الحالين بأنه قذف مضاف إلى الزوجية فجاز اللعان منه قياسا على نفي النسب ، وأما أبو حنيفة فاستدل على منعه من اللعان في الحالين : بأنه قذف صادف أجنبية فلم يجز أن يلاعن منه كالحائل .

                                                                                                                                            والدليل على ما قاله الشافعي من جوازه لنفي النسب والمنع منه في عدمه ، أن اللعان موضوع للضرورة الداعية إليه في إحدى حالتين ، إما لمعرة بزناها في نكاحه ، وإما لنفي نسب من لا يلحق به .

                                                                                                                                            والثاني : قد زال عارها عنه ، ولم ينف ولدها عنه ، فلذلك جاز أن يلاعن مع وجود النسب للضرورة الداعية إلى نفيه ولم يجز أن يلاعن مع عدم النسب لزوال [ ص: 36 ]

                                                                                                                                            معرتها عنه بالفرقة ، وهذا دليل عليهما وانفصال عن استدلالهما ، ثم يدل على البتي خاصة في عدم النسب أنه قذف لم يحتج إليه فلا تلاعن منه كالأجنبية ، ويدل على أبي حنيفة خاصة مع وجود النسب أنه قذف اضطر إليه فجاز أن يلاعن منه كما لو كانت زوجه ؛ لأن ولدها يلحق به بعد الفرقة كما يلحق به قبلها . فإن قيل : يفسد بأم الولد لا يجوز أن يلاعن منها وإن اضطر إلى نفي نسب ولدها ، قيل : يقدر على نفي نسبه بغير اللعان وهو دعوى الاستبراء فلم يضطر إلى اللعان بخلاف الزوج .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية