الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( لا أحل حراما ) لمحكوم له ظالم في الواقع يعني أن حكم الحاكم المستوفي للشروط المتقدمة لا يحل الحرام للمحكوم له إذا كان ظالما في نفس الأمر فمن ادعى نكاح امرأة وهو كاذب في دعواه وأقام شاهدي زور على نكاحها وكان الحاكم لا يرى البحث عن العدالة كالحنفي ، أو كان يبحث عنها كالمالكي وعجزت المرأة عن تجريحها فحكم بأنها زوجة له فحكمه لا يحل وطأها له خلافا للحنفية حيث قالوا يجوز له وطؤها مع علمه بأنه لم يكن عقد عليها كأنهم نظروا إلى أن حكمه صيرها زوجة كالعقد وكذا إذا طلقها بائنا فرفعته وأنكر فطلب منها الحاكم البينة فعجزت فحكم بالزوجية وعدم الطلاق فلا يجوز له وطؤها نظرا لحكم الحاكم لعلمه بأنه طلقها وكذا لو ادعى بدين على شخص وأقام بينة زور عند من لا يرى البحث عن العدالة ، أو عجز المدعى عليه عن تجريحها أو أقام شاهدا ، أو حلف المدعي معه أو أقر المدعى عليه به ثم قال لكن وفيته له فطلب منه القاضي البينة على الوفاء فعجز وحلف المدعي : إنه لم يوفني ما أقر به فحكم الحاكم بالدين فلا يحل للمدعي إذا كان كاذبا أن يتملك هذا الدين وهذا كما قال المصنف في الصلح " ولا يحل لظالم " فمراد المصنف أن الحكم المستكمل للشروط الواجب على الحاكم يرفع الخلاف الواقع بين أهل العلم ولا يحل حراما لظالم كاذب في دعواه فالحاكم يحكم بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر وهذا من بديهيات العلوم لا يتوقف فيه أحد من أئمتنا فكيف يتوجه على المصنف اعتراض . ،

التالي السابق


( قوله : وكان الحاكم لا يرى البحث عن العدالة كالحنفي ) أي ; لأن التعديل والتجريح عنده مندوبان لا يتوقف الحكم عليهما . ( قوله : فرفعته ) أي للقاضي مدعية عليه أنه أبانها فأنكر الطلاق من أصله . ( قوله : لو ادعى بدين على شخص ) أي وفي الواقع ليس له عليه شيء . ( قوله : يرفع الخلاف الواقع بين أهل العلم ) فيه ميل لما تقدم عن البساطي . ( قوله : ولا يحل حراما لظالم ) أي وأما غيره - وهو من كان مستحقا لما ادعاه على مذهب الحاكم ، وغيره مستحق له على مذهب غيره - فيحل له الحرام لرفعه الخلاف في حقه . ( قوله : فكيف يتوجه إلخ ) حاصله أنه اعترض على المصنف بأن في كلامه تناقضا ; لأنه إذا رفع حكمه الخلاف كان محلا للحرام ألا ترى أنه إذا حكم الشافعي بصحة نكاح من قال لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق ثلاثا كان حكمه رافعا للخلاف فلا يجوز للقاضي المالكي نقض هذا الحكم وإيقاع الطلاق ويجوز لذلك الزوج المحكوم له ولو مالكيا وطؤها وعدم مفارقتها فقد رفع حكم الشافعي في هذه المسألة الخلاف وأحل الحرام على مذهب مالك وكذا [ ص: 157 ] إذا حكم الشافعي بحل مبتوتة مالكي بوطء صغير فإن هذا الحكم رافع للخلاف - فليس للقاضي المالكي نقضه والحكم بعدم الحل - ومحل للحرام على مذهب الزوج وأجابوا عن ذلك بأن قولهم حكم الحاكم لا يحل الحرام للمحكوم له محله إذا كان ظالما في الواقع وذلك إذا كان المحكوم به ظاهره جائز وباطنه ممنوع بحيث لو اطلع عليه الحاكم لم يحكم بجوازه كما في الأمثلة التي ذكرها الشارح وأما إذا كان المحكوم به ظاهره كباطنه فإن الحكم به يحل الحرام كما في المثالين اللذين ذكرناهما .

والحاصل كما في بن أن الأقسام ثلاثة ما باطنه مخالف لظاهره بحيث لو اطلع الحاكم على باطنه لم يحكم فحكم الحاكم في هذا يرفع الخلاف ولا يحل الحرام وهذا محمل قول المصنف لا أحل حراما وما باطنه كظاهره وهذا إن حكم المخالف فيه بقول غير شاذ كحكم الشافعي بحل المبتوتة بوطء الصغير كان حكمه رافعا للخلاف ومحلا للحرام على مذهب خلافه وهو محمل قوله ورفع الخلاف وإن حكم فيه المخالف بالشاذ كالحكم بالشفعة للجار فهذا حكمه عند ابن شاس كالأول فيدخل في قوله لا أحل حراما وعند ابن عرفة حكمه كالثاني فيدخل في قوله ورفع الخلاف وهو مقتضى المذهب .




الخدمات العلمية