الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وحلف ) دافع دراهم أو دنانير لغيره في صرف أو قضاء حق [ ص: 230 ] وغاب عليها ثم ادعى أنه وجدها ناقصة أو مغشوشة ( في نقص ) لعدد ( بتا ) أي أنه ما دفع إلا كاملا لأن النقص يسهل فيه حصول القطع ( و ) في ( غش ) ونقص وزن ( علما ) أي على نفي العلم أي أنه لم يدفع إلا جيادا في علمه زاد ابن يونس وأنه لا يعلمها من دراهمه لأن الجودة والرداءة قد تخفى صيرفيا أو غيره هذا قول ابن القاسم وقيل الصيرفي يحلف على البت كنقص العدد ( واعتمد البات ) في جميع الأيمان أي جاز له الإقدام على اليمين بتا مستندا ( على ظن قوي كخط أبيه ) أو أخيه ( أو قرينة ) دالة عرفا على الحق كنكول المدعى عليه أو قيام شاهد للمدعي بدين أبيه غلب على الظن صدقه ونحو ذلك ( ويمين المطلوب ) أي المدعى عليه ( ما له عندي كذا ) أي المعين المدعى ( ولا شيء منه ) لا بد من زيادة ذلك لأن المدعى به بالمائة مثلا مدع لكل آحادها وحق اليمين نفي كل مدعى به ( ونفى ) الحالف ( سببا إن عين ) من المدعي كمائة من سلف أو بيع ( و ) نفى ( غيره ) أيضا نحو ما له علي مائة ولا شيء منها لا من سلف ولا غيره أو لا من بيع ولا غيره [ ص: 231 ] ( فإن قضى ) المطلوب السلف الذي كان عليه وجحده الطالب وأراد تحليفه أنه ما تسلف منه حلف ما أسلفتني و ( نوى ) في ضميره ( سلفا يجب رده ) الآن لأن ما كان عليه قد قضاه

التالي السابق


( قوله وحلف دافع دراهم أو دنانير لغيره في صرف أو قضاء حق ) أي أو رأس مال سلم أو قراض وظاهر كلام المصنف قبول قول الدافع بيمينه سواء قبضها الآخذ مقتضيا لها أو ليقلبها فيأخذ الطيب ويرد غيره .

[ ص: 230 ] وقال بعض الشراح القول قول الدافع بيمينه إن كان الآخذ قبضها على الاقتضاء لا إن قبضها على التقليب وإلا كان القول قول الآخذ بيمينه فيحلف ويردها ويأخذ بدلها وهذا هو نص المدونة في سلمها الأول ونقله ابن عرفة ولم يذكر له مقابلا انظر بن .

( قوله وغاب ) أي المدفوع له عليها وقوله ثم ادعى أنه وجدها ناقصة أي في العدد أو في الوزن أو مغشوشة أي وأراد ردها لدافعها فأنكر أن تكون من دراهمه ( قوله في نقص ) أي في دعوى نقص أي في دعوى المدفوع له نقصا وقوله لعدد أي أو نقص لوزن في متعامل به وزنا وظاهره أنه يحلف في النقص المذكور بتا سواء كان صيرفيا أم لا وهو كذلك اتفاقا وقوله لأن النقص أي لأن انتفاء النقص يسهل إلخ أو لأن النقص من حيث انتفاؤه يسهل فيه حصول القطع أي يسهل حصول القطع أي الجزم به ولا يتعذر ففي بمعنى الباء متعلقة بالقطع ( قوله وفي غش ) أي وفي دعوى غش أي وفي دعوى المدفوع له غشا ( قوله ونقص وزن ) أي في متعامل به عددا لا وزنا والحاصل أن نقص الوزن في المتعامل به وزنا كنقص العدد وأما في المتعامل به عددا فهو كالغش هذا هو المعتمد كما قال شيخنا .

( قوله صيرفيا ) أي كان الدافع صيرفيا إلخ وحاصله أن الدافع يحلف في دعوى الغش ونقص الوزن على نفي العلم مطلقا كان الدافع صيرفيا أم لا هذا ظاهر المصنف وهو قول ابن القاسم وقيل هذا إذا كان الدافع غير صيرفي وأما لو كان صيرفيا فإنه يحلف على البت مطلقا أي في نقص العدد والوزن والغش وظاهر ح في باب البيع اعتماد هذا الثاني وعليه فيقيد قول المصنف وغش علما بغير الصيرفي ( قوله في جميع الأيمان ) أي لا في خصوص المسألة السابقة وقوله أي جاز له أي للحالف ( قوله على ظن قوي ) أي وقيل إنما يعتمد على اليقين ونص ابن الحاجب وما يحلف فيه بتا يكتفى فيه بظن قوي وقيل المعتبر اليقين ( قوله كخط أبيه ) أي كالظن الحاصل له برؤية خط أبيه أو خطه أو الحاصل له من قرينة إن قلت قد تقدم في باب اليمين أن الاعتماد على الظن غموس واليمين الغموس منهي عنها فكيف يحكم هنا بجواز الاعتماد على الظن في اليمين بتا قلت جواز الاعتماد هنا على الظن مبني على أحد قولين في الغموس وهو أنه الحلف على الشك فقط وأما على أن الغموس الحلف على الشك أو الظن كما استظهره ابن الحاجب فإنما يعتمد البات على اليقين أو أن الظن هنا قيد بكونه قويا بخلاف المتقدم فإنه مطلق فيقيد بما إذا لم يكن قويا ومفهوم قول المصنف البات أن غيره وهو من يحلف على نفي العلم يعتمد على الظن وإن لم يقو .

( قوله وحق اليمين نفي كل مدعى به ) أي ولا يتأتى ذلك إلا بزيادة قوله ولا شيء منه لا بمجرد قوله ما له عندي كذا لأن إثبات الكل إثبات لكل أجزائه ونفيه ليس نفيا لكل أجزائه وقد يقال العبرة بنية المحلف ونيته نفي كل جزء من أجزاء المدعى به وحينئذ فلا يحتاج لقوله ولا شيء منه فالأولى أن يقال إن القصد هنا زيادة التشديد على المدعى عليه في الحلف فالاحتياج لزيادة ولا شيء منه لذلك لا لما قالهالشارح فإن أسقط ولا شيء منه وجب الإتيان بها مع القرب وإعادة الصيغة بتمامها مع البعد ( قوله إن عين ) أي سواء ذكره المدعي بدون سؤال عنه أو بعد أن سأله عنه الحاكم ومفهوم قوله إن عين من المدعي أن المدعي إذا لم يعين السبب كما لو ادعى بعشرة فقط كفى المدعى عليه أن يقول ما له عندي عشرة ولا شيء منها أو ما له علي حق أو ما له علي شيء لأن كلا منهما في معنى ما له عشرة ولا شيء منها بخلاف ما إذا عين المدعي السبب فلا يكفي ذلك على المشهور بل لا بد من زيادة نفي السبب وغيره وإلا أعيدت ( قوله ونفى غيره أيضا ) أي لأن المدعي يحتمل نسيانه للسبب وذكره لغيره فيحتمل أن يدعي المدعي ثانيا بعشرة أخرى لسبب غير الذي عينه فيحتاج المدعى عليه للحلف على نفيها ثانيا والشارع ناظر لتقليل الخصومات ما أمكن فإذا نفى في اليمين الأولى السبب المعين وغيره اكتفى بتلك اليمين ولا يحتاج ليمين ثانية إذا ادعى بعشرة أخرى لسبب غير السبب [ ص: 231 ] المعين ( قوله فإن قضى إلخ ) حاصله أن من تسلف من رجل مالا وقضاه له بغير بينة ثم قام صاحب المال وطلب المقترض بالمال فأنكره وقال لا شيء لك عندي فطلب أن يحلفه أنه ما تسلف منه فإنه يحلف له ما تسلف منه وينوي في قلبه سلفا يجب عليه الآن رده ويبرأ من الإثم ومن الدين وأما لو قال له حين طلبه منه رددته عليك لزمه وكان عليه إثبات الرد ، فإن قلت اليمين على نية المحلف ونية المحلف أنه ما تسلف منه أصلا أعم من أن يكون السلف باقيا في ذمته يجب عليه الآن رده أم لا وحينئذ فمقتضاه أنه يأثم بتلك اليمين ولا تنفعه نيته وأجيب بأن اليمين هنا ليست على نية المحلف لكونها ليست في مقابلة حق باعتبار ما في نفس الأمر وقولهم اليمين على نية المحلف لا الحالف فيما إذا كان للمحلف حق في نفس الأمر فإذا كان للمحلف حق فلا ينفع الحالف في ذلك نية ولا تورية ولا استثناء بإجماع ويكون آثما بيمينه داخلا تحت الوعيد وهو قوله عليه الصلاة والسلام { من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار } انظر بن ومثل ما ذكره المصنف المعسر الحقيقي وهو الذي ليس عنده ما يباع على المفلس إذا خاف أن يحبس فيجوز له أن يحلف كذلك أي ما أسلفتني وينوي سلفا يجب رده الآن لأن المعسر ما دام على حاله لا يجب عليه أداء ما في ذمته كذا في عج نقلا عن قواعد المقري ولا يقال هذه اليمين واقعة في مقابلة حق في الواقع فمقتضاه أن النية لا تنفع فيها ويكون آثما لأنا نقول المعسر في هذه الحالة بمنزلة من لا شيء عليه في عدم الوفاء




الخدمات العلمية