الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( و ) تؤخر ( الموالاة في ) قطع ( الأطراف ) إذا خيف التلف من جمعها في آن واحد فيفرق في أوقات ( كحدين ) وجبا ( لله ) تعالى كشرب وزنا بكر ( لم يقدر عليهما ) في وقت واحد بأن خيف عليه من إقامتهما في فور ( وبدئ بأشد لم يخف عليه ) الموت منه فيبدأ بحد الزنا على حد الشرب فإن خيف عليه بدئ بالأخف ، وهو حد الشرب فإن خيف عليه أيضا بدئ بالأشد مفرقا إن أمكن تفريقه ، وإلا بدئ بالأخف مفرقا إن أمكن ، وإلا انتظرت الاستطاعة ومفهوم قوله لله أنهما إن كانا لآدميين كقطع لزيد وقذف لعمرو ، فالتبدئة بالقرعة ولو كان أحدهما لله ، والآخر لآدمي بدئ بما لله ; لأنه لا عفو فيه [ ص: 261 ] ( لا ) يؤخر جان ( بدخول الحرم ) فرارا من القصاص ولو المسجد الحرام ويؤخذ من المسجد ليقام عليه الحد خارجه ولو محرما ولا ينتظر لإتمامه ولما كان القائم بالدم إما رجال فقط ، أو نساء فقط ، أو هما تكلم على هذه الثلاثة على هذا الترتيب فقال ( وسقط ) القصاص ( إن عفا رجل ) من المستحقين ( كالباقي ) نعت لرجل أي مماثل للباقي في الدرجة ، والاستحقاق كابنين ، أو أخوين ، أو عمين فأكثر وأولى إن كان العافي أعلى كعفو ابن مع أخ ، أو أخ مع عم فإن كان أنزل درجة لم يعتبر عفوه ; إذ لا كلام له كعفو أخ مع وجود ابن ، وكذا إذا كان العافي لم يساو الباقي في الاستحقاق كالإخوة للأم مع وجود الإخوة للأب ; إذ لا استحقاق للإخوة للأم وأشار للمرتبة الثانية بقوله ( والبنت ) ، أو بنت الابن ( أولى ) أي أحق ( من الأخت في عفو وضده ) ; إذ لا كلام للأخت معها ولا يلزم من مساواتها لها في الإرث مساواتها في العفو وعدمه عند ابن القاسم ، وهذا إذا ثبت القتل ببينة ، أو إقرار وأما لو احتاج القصاص لقسامة فليس لهما أن يقسما ; لأن النساء لا يقسمن في العمد ، وإنما يقسم العصبة فإن أقسموا وأرادوا القتل وعفت البنت فلا عفو لها ، وإن عفوا وأرادت القتل فلا عفو لهم إلا باجتماع الجميع ، أو بعض من البنات وبعض منهم على ما تقدم وسيأتي أيضا ( وإن عفت بنت من بنات ) ، أو بنت ابن من بنات ابن ، أو أخت من أخوات ولم يكن عاصب ، أو عاصب لا كلام له ( نظر الحاكم ) في العفو وضده إن كان عدلا ، وإلا فجماعة المسلمين .

وأشار للمرتبة الثالثة بقوله ( وفي ) اجتماع ( رجال ونساء ) أعلى درجة منهم وكان للرجال كلام بأن ثبت القتل بقسامة ( لم يسقط ) القصاص ( إلا بهما ) أي بعفو الفريقين ومن أراد القتل من الفريقين ، فالقول له ( أو ببعضهما ) أي بعض كل من الفريقين وقولنا ونساء أعلى درجة من الرجال احترازا عما لو كان الرجال مساوين للنساء فلا كلام لهن ، والاستيفاء [ ص: 262 ] للعاصب وحده كما مر ، وهذه المسألة مكررة مع قوله فيما سبق وللنساء إن ورثن ولم يساوهن عاصب ولكل القتل إلخ كررها لأجل قوله ، أو ببعضها المقيد لما مر كما تقدم ولأجل جمع المراتب الثلاثة ( ومهما أسقط ) أي عفا ( البعض ) أي بعض مستحقي الدم مع تساوي درجتهم بعد ثبوت الدم ببينة ، أو إقرار ، أو قسامة سقط القود ، وإذا سقط ( فلمن بقي ) ممن لم يعف وله التكلم ، أو هو مع غيره ( نصيبه من الدية ) أي دية عمد ، وكذا إذا عفا جميع من له التكلم مترتبا فلمن بقي ممن لا تكلم له نصيبه من دية عمد كولدين وزوج ، أو زوجة ; لأنه مال ثبت بعفو الأول بخلاف ما لو عفوا في فور واحد فلا شيء لمن لا تكلم له كما إذا كان من له التكلم واحدا وعفا وشبه في سقوط القصاص قوله ( كإرثه ) أي الدم ( ولو قسطا من نفسه ) فيسقط القصاص ; لأن إرثه له كلا ، أو بعضا كالعفو مثال ما قبل المبالغة ما لو قتل أحد ولدين أباه فمات غير القاتل ولا إرث له سواه فقد ورث القاتل جميع دم نفسه ومثال ما بعدها ما لو كان غير القاتل أكثر من واحد مات أحدهم فقد ورث القاتل بعض دم نفسه فيسقط القصاص ولمن بقي نصيبه من الدية ( وارثه ) أي القصاص ( كالمال ) أي كإرث المال لا كالاستيفاء فإذا مات ولي الدم فينزل ورثته منزلته من غير خصوصية للعصبة منهم على ذوي الفروض فيرثه البنات ، والأمهات ويكون لهم العفو ، والقصاص كما لو كانوا كلهم عصبة ; لأنهم ورثوه عمن كان ذلك له هذا مذهب ابن القاسم نعم لا دخل في ذلك لزوجة ولي الدم ولا لزوج من لها كلام فقوله كالمال أي في الجملة بخلاف المال المأخوذ عن دية عمد [ ص: 263 ] فيدخلان فيه كما مر .

التالي السابق


( قوله : وتؤخر الموالاة إلخ ) أي أن الجاني إذا قطع طرفين وخيف عليه إذا قطعا منه معا الموت فإنه يقطع أحدهما ويؤخر قطع الثاني لبرء الأول وليس المراد أنه يؤخر قطعهما معا ، ثم يقطعان معا ; إذ لا فائدة في التأخير حينئذ ( قوله : لم يقدر عليهما ) أي لم يقدر من وجبا عليه ( قوله : بأن خيف عليه من إقامتهما في فور ) أي فلا يجمع بينهما في وقت واحد بل يقام عليه أحدهما ، ثم يؤخر إلى أن يقدر على الثاني فيقام عليه ( قوله ، وإلا انتظرت الاستطاعة ) أي قدرته ، أو يموت ( قوله : فالتبدئة بالقرعة ) أي ولا ينظر لشدة ولا لخفة ( قوله : ولو كان أحدهما لله ، والآخر لآدمي ) أي كما إذا زنى وكان بكرا وقذف آخر ، أو قطع يده وقوله بدئ بما لله أي ويجمع عليه ، أو يفرق إن أمكن ، وإلا بدئ بما للآدمي مجملا ، أو مفرقا إن أمكن ، وإلا انتظرت قدرته ، أو موته وسكت عما إذا كان الحقان لشخص واحد كما لو قذفه وقطع يده ، والحكم فيه مثل ما إذا كان الحقان لله فيقدم الأشد [ ص: 261 ] إن لم يخف عليه على ما تقدم للشارح .

( قوله : لا يؤخر جان ) أي لا يؤخر قصاص على جان على نفس ، أو عضو ، وكذا متلف لمال بدخول الحرم بل يقتص منه فيه فإن لجأ للمسجد الحرام ، أو للبيت أخرج منه واقتص منه خارجه ( قوله : ولو المسجد الحرام ) أي هذا إذا كان ذلك الحرم الذي دخله الجاني غير المسجد الحرام بأن دخل الحرم المحدود ، وهو الذي لا يجوز حلا بدون إحرام ولا يصاد منه بل ولو كان ذلك الحرم الذي دخله الجاني المسجد الحرام ، أو البيت ( قوله : ويؤخذ من المسجد ) أي ويخرج ذلك الجاني من المسجد الحرام ليقام عليه الحد خارج المسجد ولو في الحرم ولا يقام عليه الحد في المسجد لئلا يؤدي إلى تنجيسه ، وإخراجه من المسجد لإقامة الحد عليه مطلقا أي سواء كان فعل موجب ذلك الحد في الحرم ، أو فعله خارجه ولجأ إليه وأما قوله تعالى { ومن دخله كان آمنا } فقيل إنه إخبار عما كان في زمن الجاهلية بدليل { أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم } وقيل إن الآية منسوخة بآية { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } .

وقيل المراد { ومن دخله كان آمنا } من العذاب في الآخرة وقيل أن الجملة إنشائية معنى أي أمنوه من القتل ، والظلم إلا لموجب شرعي ( قوله : ولو محرما ) مبالغة في قوله ويؤخذ من المسجد ( قوله : وسقط القصاص ) أي المفهوم من قوله ويقتص من يعرف ( قوله : إن عفا رجل إلخ ) حاصله أنه إذا كان القائم بالدم رجالا فقط مستوين في الدرجة ، والاستحقاق فإن اجتمعوا كلهم على القصاص اقتصوا ، وإن طلب بعضهم القصاص وبعضهم العفو ، فالقول لمن طلب العفو ومتى حصل العفو من أحدهم سقط القصاص ولمن لم يعف نصيبه من دية عمد ( قوله : والاستحقاق ) أي استحقاق الدم ( قوله : إذ لا استحقاق للإخوة للأم ) أي في الدم لما تقدم أن الاستيفاء للعاصب ، وهم غير عصبة ( قوله : وأشار للمرتبة الثانية ) أي ، وهي ما إذا كان القائم بالدم نساء فقط وذلك لعدم مساواة عاصب لهن في الدرجة بأن لم يوجد عاصب أصلا ، أو وجد وكان أنزل منهن درجة وقد حزن الميراث وثبت القتل بغير قسامة .

( قوله : ولا يلزم من مساواتها لها في الإرث ) أي إذا لم يكن وارث إلا هما ( قوله : عند ابن القاسم ) راجع لقول المصنف ، والبنت ، أولى من الأخت في عفو وضده ( قوله : فلا عفو لها ) أي ، والقول للعصبة في القصاص ( قوله : فلا عفو لهم ) أي ، والقول قولها في طلب القصاص ( قوله على ما تقدم ) أي من أن البنات إذا حزن الميراث وثبت القتل بقسامة ، فالقول لمن طلب القتل من الرجال ، أو النساء ولا عفو إلا باجتماعهم وأما إذا ثبت بغيرها فلا حق للعصبة معهن لا في عفو ولا في قود ، والحق للنساء ( قوله : أو عاصب لا كلام له ) أي لكون القتل ثبت ببينة ، أو إقرار .

( قوله : نظر الحاكم في العفو وضده ) أي أيهما أصلح فعله وذلك ; لأنه كالعصبة عند فقدها لإرثه لبيت المال ما بقي من مال المقتول ، وإذا أمضى الإمام بنظره عفو بعض البنات فلمن بقي منهن نصيبه من الدية ومفهوم بنت من بنات أنهن لو عفون كلهن ، أو أردن القتل لم يكن للإمام نظر ( قوله : وفي اجتماع رجال ) أي مطلقا سواء كانوا وارثين كبنات وعصبات توقف الثبوت عليهم أم لا ، أو غير وارثين وتوقف الثبوت عليهم لأجل القسامة كبنت وأخت وعصبة انظر بن وشارحنا قصر كلام المصنف على الثاني حيث قال وكان للرجال كلام بأن ثبت القتل بقسامة ولو قال الشارح وكان للرجال كلام لكونهم [ ص: 262 ] وارثين ثبت القتل ببينة ، أو إقرار ، أو قسامة ، أو كانوا غير وارثين ولكن ثبت القتل بقسامة لكان ذلك ، أولى وعليه يظهر ما ذكره من التكرار تأمل ( قوله : مكررة مع قوله فيما سبق وللنساء إن ورثن ) الأولى أن يقول مع قوله ولكل القتل ولا عفو إلا باجتماعهم كأن حزن الميراث وثبت القتل بقسامة ; إذ قوله وللنساء إن ورثن لا تكرار فيه .

( قوله ومهما أسقط إلخ ) هذا راجع لجميع ما قدمه من قوله وسقط إن عفا رجل كالباقي إلى هنا خلافا لما يوهمه ظاهر الشارح من قصره على قوله وسقط إن عفا رجل كالباقي ، ثم جواب الشرط محذوف قدره الشارح بقوله سقط القود ; لأن هذا هو الذي يترتب على الإسقاط يعني العفو وأما قوله فلمن بقي إلخ فلا يترتب إلا على السقوط وحينئذ ، فهو جواب لشرط مقدر كما أشار له الشارح .

( قوله : وله التكلم ، أو هو مع غيره إلخ ) يعني أن من عفا سقط حقه من الدم ومن الدية وما بقي منها يكون لمن بقي ممن له التكلم ولغيره من بقية الورثة كالزوج ، أو الزوجة ، والإخوة للأم .

قال في المدونة ، وإن عفا أحد ابنين سقط حظه من الدية وبقيتها لمن بقي تدخل فيه الزوجة وغيرها ( قوله : وكذا إذا عفا إلخ ) كما لو كان للمقتول بنون وبنات وزوج ، أو زوجة فعفا بعض البنين ، ثم بلغ من بقي ممن له التكلم فعفا فلا يضر ذلك من معهم من أخواتهم ، والزوج ، أو الزوجة .

( قوله : كولدين وزوج ) أي فعفا أحد الوالدين ، ثم عفا أخوه فلا يضر ذلك من معهما من الزوجة ، أو الزوج ( قوله : بخلاف ما لو عفوا ) أي جميع من له التكلم ( قوله : كما إذا كان من له التكلم واحدا إلخ ) وكما لو كان للمقتول بنون وبنات وزوج ، أو زوجة فعفا البنون في فور واحد فيسقط حق البنات ، والزوج ، أو الزوجة من الدية واعلم أن ما ذكره الشارح من التفصيل محمول على ما إذا وقع الإسقاط مجانا أما إذا وقع على مال فلمن بقي من الورثة نصيبه من الدية ، وإن لم يكن له تكلم سواء وقع الإسقاط من بعضهم ، أو من كلهم مترتبا أم لا .

( قوله : ولو قسطا ) أي هذا إذا ورث دم نفسه كله بل ولو ورث قسطا أي جزءا منه .

قال في المدونة إن ورث القاتل أحد ورثة القتيل بطل قوده ; لأنه ملك من دمه حصة وقال أشهب لا يسقط القود عن الجاني إذا ورث جزءا من دم نفسه إلا إذا كان من بقي يستقل الواحد منهم بالعفو كما في المثال الذي ذكره الشارح وأما إذا كان الباقي لا يستقل الواحد منهم بالعفو ولا بد من العفو من اجتماعهم عليه وكل من طلب القتل فإنه يجاب فلا يسقط القود عن الجاني الوارث لجزء من دمه كمن قتل أخاه شقيقه وترك المقتول بنتين وثلاثة إخوة أشقاء غير القاتل فمات أحدهم ولا وارث له إلا إخوته الثلاثة القاتل ، والأخوين فقد ورث القاتل قسطا من نفسه ولا يسقط القصاص عنه حتى يعفو البنات ، والإخوة الباقون ، أو البعض من كل وقد ردالمصنف على أشهب بلو ومقتضى رده عليه أن كلام أشهب خلاف لابن القاسم وأن كلامه باق على إطلاقه لا أنه وفاق له كما قال بعضهم ( قوله مات أحدهم ) أي ولا وارث له إلا إخوته ( قوله : فإذا مات ولي الدم ) أي كابن المقتول ، أو أخيها وعمه .

( قوله : ويكون لهن العفو إلخ ) أي ولو كان معهم ذكور في درجتهن فليس بنات ولي الدم كبنات القتيل ( قوله : هذا مذهب ابن القاسم ) الإشارة راجعة لإرث القصاص كإرث المال وقال أشهب إرث القصاص كالاستيفاء فإذا مات ولي الدم فالذي ينزل منزلته إنما هو عصبته فيكون لهم العفو والقصاص ، وأما بناته وأمهاته فلا كلام لهن في ذلك ( قوله : لزوجة ولي الدم ) أي فإذا مات ولي الدم قام ورثته مقامه إلا زوجته .

( قوله : ولا لزوج إلخ ) [ ص: 263 ] فإذا ماتت بنت القتيل قام ورثتها مقامها إلا لزوجها ( قوله فيدخلان ) أي الزوج ، والزوجة فيه




الخدمات العلمية