الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
، ثم شرع في بيان الركن الثالث ، وهو الجناية التي هي فعل الجاني الموجب للقصاص ، وهو ضربان مباشرة وسبب وبدأ بالأول فقال ( إن ) ( قصد ) المكلف غير الحربي ( ضربا ) للمعصوم بمحدد ، أو مثقل ( وإن بقضيب ) وسوط ونحوهما مما لا يقتل غالبا ، وإن لم يقصد قتلا ، أو قصد زيدا فإذا هو عمرو ، وهذا إن فعله لعداوة ، أو غضب لغير تأديب وأما إن كان على وجه اللعب ، أو التأديب ، فهو من الخطإ إن كان بنحو قضيب لا بنحو سيف ، وهذا في غير الأب وأما هو فلا يقتل بولده ولو قصد ما لم يقصد إزهاق روحه كما يأتي وشبه بالضرب في وجوب القصاص قوله ( كخنق ومنع طعام ) ، أو شراب قاصدا به موته فمات فإن قصد مجرد التعذيب ، فالدية ومن ذلك الأم تمنع ولدها الرضاع حتى مات فإن قصدت موته قتلت ، وإلا ، فالدية على عاقلتها ( ومثقل ) كحجر [ ص: 243 ] وخشبة عظيمة وفي الحقيقة هذا داخل تحت قوله إن قصد ضربا صرح به للرد على الحنفية القائلين لا قصاص في المثقل ولا في ضرب بكقضيب ( ولا قسامة ) على ، أولياء المقتول ( إن أنفذ مقتله بشيء ) مما مر ( أو مات ) منه حال كونه ( مغمورا ) لم يتكلم ولم يفق من حين الفعل حتى مات بل يقتل بدونها فإن لم ينفذ مقاتله كما لو قطع رجله مثلا ولم يمت مغمورا بأن أفاق إفاقة بينة ، فالقسامة في العمد والخطإ ولو لم يأكل ، أو يشرب ; لأنه يحتمل أن موته من أمر عرض له ( وكطرح ) إنسان ( غير محسن للعوم ) في نهر ( عداوة ) ومثله من يحسنه وكان الغالب عدم النجاة لشدة برد ، أو طول مسافة فغرق ( وإلا ) بأن كان يحسن العوم طرحه عداوة أم لا ، أو لا يحسنه وطرحه لا لعداوة بل لعبا ( فدية ) مخمسة لا مغلظة خلافا لابن وهب ، وهذا ظاهر المصنف ، وهو ضعيف ، والمعتمد أن الدية في صورة فقط ، وهي ما إذا طرح محسنا للعوم على وجه اللعب فلو قال وكطرح غير محسن للعوم مطلقا كمحسنه عداوة ، وإلا ، فالدية لأفاد المراد

التالي السابق


( قوله : بيان الركن الثالث ) أي من أركان القصاص ( قوله : مباشرة ) أي إتلاف بمباشرة وقوله وسبب أي وإتلاف بسبب ( قوله : إن قصد ضربا للمعصوم ) أي مع علمه بذلك احترازا مما إذا قصد ضرب شيء معتقدا أنه غير آدمي ، أو أنه آدمي غير محترم لكونه حربيا ، أو زانيا محصنا فتبين أنه محترم فلا قصاص ولو مكافئا له ، وهو من الخطإ فيه الدية .

( قوله : وإن بقضيب ) أي هذا إذا كان الضرب بما يقتل غالبا كالمحدد ، والمثقل بل وإن كان بما لا يقتل غالبا كالقضيب ، وهو العصا .

( قوله : وإن لم يقصد قتلا ) أي هذا إذا قصد بالضرب قتله بل وإن لم يقصد قتلا ، وإنما قصد مجرد الضرب ( قوله : أو قصد زيدا إلخ ) أي قصد قتل شخص معتقدا أنه زيد فتبين أنه عمرو ، أو معتقدا أنه زيد بن عمرو فتبين أنه زيد بن بكر ولزوم القود فيهما هو الصحيح وبه جزم ابن عرفة أولا خلافا لما نقله بعده عن مقتضى قول الباجي .

وأما ما وقع في ح وتبعه خش من أنه إذا قصد ضرب شخص فأصابت الضربة غيره أنه عمد فيه القود ففيه نظر فقد نص ابن عرفة وابن فرحون في التبصرة وغيرهما على أن حكمه حكم الخطإ لا قود فيه فانظره ا هـ بن واقتصر في المج على ما في ح ( قوله : وهذا ) أي ومحل هذا ، وهو القود إن قصد ضربه إن حصل ذلك الضرب لعداوة ، أو غضب لغير تأديبه ( قوله إن كان بنحو إلخ ) أي أن الضرب المقصود إذا كان على وجه اللعب ، أو الأدب ، فهو من الخطإ إن كان الضرب بآلتهما ، وإلا ، فهو عمد فيه القود .

واعلم أن القتل على ، أوجه الأول أن لا يقصد ضربه كرميه شيئا ، أو حربيا فيصيب مسلما ، فهذا خطأ بإجماع فيه الدية والكفارة الثاني أن يقصد الضرب على وجه اللعب ، فهو خطأ على قول ابن القاسم وروايته في المدونة خلافا لمطرف وابن الماجشون ومثله إذا قصد به الأدب الجائز بأن كان بآلة يؤدب بها وأما إن كان الضرب للتأديب والغضب ، فالمشهور أنه عمد يقتص منه إلا في الأب ونحوه فلا قصاص بل فيه دية مغلظة الثالث أن يقصد القتل على وجه الغيلة فيتحتم القتل ولا عفو قاله ابن رشد في المقدمات ا هـ بن .

( قوله : وهذا ) أي لزوم القود إن قصد ضربه بقضيب في غير الأب إلخ ( قوله : ما لم يقصد إزهاق روحه ) أي ما لم يقصد قتله ( قوله : قاصدا به موته ) فيه أنه تقدم أن قصد القتل ليس شرطا في القصاص وحينئذ فيقتص ممن منع الطعام والشراب ولو قصد بذلك التعذيب ولفظ ابن عرفة من صور العمد ما ذكره ابن يونس عن بعض القرويين أن من منع فضل ماءه مسافرا عالما بأنه لا يحل له منعه وأنه يموت إن لم يسقه قتل به ، وإن لم يل قتله بيده ا هـ فظاهره أنه يقتل به سواء قصد بمنعه قتله ، أو تعذيبه .

فإن قلت قد مر في باب الذكاة أن من منع شخصا فضل طعام أو شراب حتى مات فإنه يلزمه الدية قلت ما مر في الذكاة محمول على ما إذا منع متأولا وما هنا غير متأول آخذا من كلام ابن يونس المذكور انظر بن ( قوله : ومن ذلك الأم ) أي ومن منع الطعام ، أو الشراب منع الأم ولدها من لبنها ( قوله : فإن قصدت موته قتلت إلخ ) أي فلا تقتل بمنعه مطلقا بل حتى تقصد موته قياسا على ما مر في الأب من أنه لا بد مع الضرب من قصد الموت ، وإلا لم يقتل [ ص: 243 ] قوله : وخشبة عظيمة ) أي سواء كان لها حد أو لا ومثل ذلك عصر الأنثيين ، أو هدم بناء عليه ، أو ضغطه أي حضنه حتى كسر عظمه ، أو خبص لحمه ومات من ذلك ( قوله : لا قصاص في المثقل ولا في ضرب بكقضيب ) أي ، أو كرباج وظاهره عندهم ولو قصد قتله به ، وإنما القصاص عندهم في القتل بمحدد أي بالشيء الذي له حد يجرح به سواء كان ذلك الشيء حديدا ، أو كان حجرا له حد ، أو خشبة كذلك ، أو بما كان معروفا بقتل الناس كالمنجنيق ، والإلقاء في النار ( قوله إن أنفذ مقتله بشيء مما مر ) أي بضربه بالمحدد ، أو المثقل هذا هو المراد لا بكل شيء مما مر ; لأن إنقاذ المقاتل لا يكون بخنق ولا بمنع طعام وشراب وقوله إن أنفذ مقتله بشيء مما مر أي ، ثم مكث مدة ومات ( قوله : أو مات منه ) أي مما مر بدون إنفاذ مقاتل ( قوله : حتى مات ) أي بعد مكثه مدة ( قوله : بل يقتل بدونها ) أي بل يقتل من أنفذ مقاتل الشخص ومن مات مضروبه مغمورا بدون قسامة وظاهره ولو أجهز شخص آخر على منفوذ المقاتل ، وهو كذلك ويؤدب ذلك المجهز فقط على أظهر الأقوال ، والحاصل أن الذي يختص بالقتل هو من أنفذ المقاتل كما هو سماع يحيى من ابن القاسم وسماع أبي زيد منه أن الذي يقتل هو الثاني ، وهو المجهز وعلى الأول الذي أنفذ المقاتل الأدب ; لأنه بعد إنفاذها معدود من جملة الأحياء يرث ويورث ويوصي بما شاء من عتق وغيره واستظهر ابن رشد الأول ، وهو ما في سماع يحيى ( قوله : بأن أفاق إفاقة بينة ) أي بأن كان يتكلم مع الناس ويقف ، أو يجلس سواء أكل أو شرب أولا ، ثم مات بعد ذلك ( قوله : ولو لم يأكل أو يشرب ) مرتبط بقوله وأفاق إفاقة بينة .

( قوله وكان الغالب عدم النجاة ) أي ولا يكون الطرح في هذه الحالة إلا عداوة ( قوله : وإلا بأن كان يحسن العوم ) أي وكان الغالب نجاته ( قوله : فدية مخمسة ) أي في هذه الصور الثلاثة بلا قسامة كما أن القصاص بلا قسامة في صورتين ( قوله مطلقا ) أي عداوة ، أو لعبا ( قوله : وإلا ) أي بأن كان يحسنه وكان الطرح لعبا فدية ( قوله لأفاد المراد ) أي من أن الصور أربع القود في ثلاثة ، وهي ما إذا طرح غير محسن للعوم عداوة ، أو لعبا ، أو طرح محسنه عداوة ، والدية في واحدة ، وهي ما إذا طرح محسنه لعبا هذا ولبعضهم تفصيل آخر .

وحاصله أنه إما أن يطرحه عالما بأنه يحسن العوم ، أو عالما بأنه لا يحسنه ، أو يشك في ذلك ، والطرح إما على وجه العداوة ، أو اللعب فإن طرحه عالما بأنه لا يحسن العوم إن ظن عدم نجاته ، فالقصاص ولا يكون الطرح في هذه الحالة إلا عداوة لا لعبا ، وإن ظن نجاته ، فالدية طرحه عداوة ، أو لعبا ، وإن طرحه عالما بأنه لا يحسن العوم ، فالقصاص طرحه عداوة ، أو لعبا ، وإن طرحه شاكا في كونه يحسن العوم ، أو لا يحسنه فإن كان الطرح عداوة ، فالقصاص ، وإن كان لعبا ، فالدية فجملة الصور سبع




الخدمات العلمية