الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
في العتق بالسراية بقوله ( و ) عتق ( بالحكم جميعه ) أي العبد ( إن أعتق ) سيده الحر المكلف المسلم الرشيد ( جزءا ) من رقيقه القن أو المدبر أو المعتق لأجل أو أم ولد أو المكاتب [ ص: 370 ] ( والباقي له ) أي لسيده المعتق موسرا أو معسرا فيعتبر فيمن يعتق عليه بالسراية ما يعتبر فيمن يعتق عليه بالمثلة ، فإذا أعتق الذمي بعض عبده الذمي لم يكمل عليه وكذا المدين والزوجة والمريض في زائد الثلث ( كأن بقي لغيره ) أي لغير سيده المعتق للجزء بأن كان الرقيق مشتركا بين اثنين أو أكثر فأعتق أحد الشركاء نصيبه ، فإنه يقوم عليه باقيه ويعتق بشروط ستة .

أشار للأول بقوله ( إن دفع القيمة يومه ) أي يوم الحكم عليه بالعتق أي أنها تعتبر يوم الحكم لا يوم العتق والأظهر أنه لا يشترط الدفع بالفعل كما هو ظاهره كابن الحاجب وغيره فتعتق حصة الشريك بقيمتها يوم الحكم ، وإن لم يقبضها إلا بعد العتق كما قاله ابن مرزوق ولثانيها بقوله ( وإن كان ) السيد ( المعتق ) للجزء ( مسلما أو العبد ) مسلما ومعتقه كافر وشريكه كذلك نظرا لحق العبد المسلم ، فإن كان الجميع كفارا لم يقوم إلا أن يرضى الشريكان بحكمنا ولثالثها بقوله ( وإن أيسر ) المعتق ( بها ) أي بقيمة حصة شريكه ( أو ببعضها فمقابلها ) هو الذي يعتق فقط ولا يقوم عليه ما أعسر به ولو رضي الشريك باتباع ذمته ولرابعها بقوله ( وفضلت ) قيمة حصة الغير ( عن متروك المفلس ) وتقدم أنه يترك له قوته والنفقة الواجبة عليه لظن يسرته ويباع عليه الكسوة ذات المال إلى آخر ما تقدم وجعل هذا شرطا مستقلا فيه مسامحة إذ هو في الحقيقة تفسير لما قبله كأنه قال بأن فضلت إلخ ويدل على هذا أنه لم يقرنه بأن كما في الذي قبله والذي بعده ولخامسها بقوله ( وإن حصل عتقه باختياره لا ) جبرا كدخول جزء من يعتق عليه في ملكه ( بإرث ) ، فإنه لا يقوم عليه ولا يعتق جزء الشريك ولو مليئا ولسادسها بقوله ( وإن ابتدأ العتق ) لإفساد الرقبة بإحداث العتق فيها .

( لا إن ) ( كان ) العبد ( حر البعض ) قبل العتق فلا يقوم على من أعتق البعض الرق ; لأنه لم يبتدئ العتق كما لو كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحد الشركاء حصته وهو معسر فلم يقوم عليه ثم أعتق الثاني حصته فلا يقوم عليه حصة الثالث ولو كان الثاني مليئا وقد علمت أن الشروط في الحقيقة خمسة [ ص: 371 ] كما قاله التتائي والله أعلم ثم رتب على الشرط الأخير قوله ( و ) لو أعتق الأول فالثاني ( قوم ) نصيب الثالث ( على الأول ) ; لأنه الذي ابتدأ العتق إلا أن يرضى الثاني بالتقويم عليه فيقوم عليه ولو طلب الأول التقويم على نفسه ولا مقال له نص عليه المصنف .

( وإلا ) يكن العتق مرتبا بأن أعتقاه معا أو مرتبا وجهل الأول قوم نصيب الثالث عليهما وإذا قوم عليهما ( فعلى ) قدر ( حصصهما إن أيسرا ) معا ( وإلا فعلى الموسر ) منهما يقوم الجميع ( و ) لو أعتق في حال مرضه شقصا له في عبد أو أعتق بعض عبد يملك جميعه ( عجل ) عتق العبد كله في الصورة الثانية وجزئه ويقوم عليه الباقي في الأولى قبل موته ( في ثلث مريض ) أعتق في مرضه ( أمن ) ذلك الثلث ، ويلزم منه كون جميع ماله مأمونا أي إن شرط تعجيل العتق قبل موته أن يكون ماله مأمونا بأن كان عقارا ، فإن كان غير مأمون لم يعجل عتق الجزء الذي أعتقه بل يؤخر مع التقويم لموته ، فإن حمله الثلث عتق وإلا عتق منه محمله ورق باقيه فلو كان مأمونا ولم يحمل إلا بعضه عجل عتق ذلك البعض ويوقف الباقي ، فإن صح المريض أو مات وظهر له مال يحمله لزم عتق الباقي ( ولم يقوم على ميت ) أعتق في صحته أو مرضه شقصا له في عبد وباقيه لغيره ولم يطلع عليه فيهما إلا بعد موته إذا ( لم يوص ) الميت بالتقويم في ذلك العبد ; لأنه بموته انتقلت التركة للوارث فصار كمن أعتق وهو معسر والمعسر لا تقويم عليه فلو أوصى بالتقويم كمل عليه بالتقويم في الثلث فقط وأما لو اطلع عليه قبل الموت فهو ما قبله [ ص: 372 ] ( وقوم ) المعتق بعضه في جميع مسائل التقويم على الشريك المعتق في صحته أو مرضه ( كاملا بماله ) أي معه ; لأن في تقويم البعض ضررا على الشريك الذي لم يعتق .

والتقويم إنما هو ( بعد امتناع شريكه من العتق ) فيؤمر به أولا من غير جبر ( ونقض له ) أي للتقويم ( بيع ) صدر ( منه ) أي من الشريك الذي لم يعتق وكذا ممن بعده ولو تعددت البياعات سواء علم الشريك بالعتق أم لا إلا أن يعتقه المشتري ( و ) نقض ( تأجيل ) الشريك ( الثاني ) أي عتقه مؤجلا ( أو تدبيره ) أو كتابته ويقوم قنا في الثلاثة على المعتق الموسر بتلا ، ولو دبر أحد الشريكين أولا ثم أعتق الثاني بتلا قوم نصيب المدبر على من أعتق بتلا ( و ) إذا اختار الشريك الذي لم يعتق عتق نصيبه أو التقويم على من أعتق ( لا ينتقل ) أي ليس له الانتقال ( بعد اختياره أحدهما ) بعينه لغيره ما لم يرض الآخر وسواء كان الذي خيره شريكه أو الحاكم أو اختار أحدهما من قبل نفسه ; لأنه إذا اختار التقويم فقد ترك حقه من العتق فليس له رجوع إليه إلا برضا صاحبه ، وإن اختار العتق ابتداء لم يكن له ، اختار التقويم ثانيا بلا خلاف .

( وإذا حكم ) أي حكم الحاكم ( بمنعه ) أي منع التقويم على من أعتق ( لعسره مضى ) حكمه فلا يقوم عليه بعد ذلك إن أيسر وفي نسخة ببيعه أي ببيع ما بقي من العبد لعسر المعتق مضى البيع ولا ينقض الحكم إن أيسر ، وإن لم يبع بالفعل ويجوز بيعه والحكم بالبيع يستلزم منع التقويم فهو بمثابة الحكم بمنع التقويم فقد ساوت هذه النسخة النسخة الأولى [ ص: 373 ] ( كقبله ) أي الحكم أي كعسره قبل الحكم عليه بمنع التقويم ( ثم أيسر ) بعد ذلك أي بعد العسر ، فإنه لا يقوم عليه بشرطين أشار لأولهما بقوله ( إن كان ) المعتق لحصته ( بين ) أي ظاهر ( العسر ) عند الناس وعند الشريك الذي لم يعتق وقت العتق إذ العبرة بيوم العتق ولثانيهما بقوله ( وحضر العبد ) أي وكان العبد حاضرا حين العتق .

فإن لم يكن بين العسر قوم لاحتمال أن يكون هذا اليسر الذي ظهر هو الذي كان حين العتق إذ الفرض من أنه ظهر له يسر ، وإنما اشترط حضور العبد ; لأن بحضوره يعلم أن عدم التقويم إنما هو للعسر لا لتعذر التقويم إذ الحاضر لا يتعذر تقويمه بخلاف الغائب ، فإذا قدم والمعتق موسر قوم عليه وكأنه أعتقه الآن في حال يسره ومثل حضوره ما إذا كان غائبا غيبة قريبة يجوز النقد فيها قال ابن القاسم ، وإن كان العبد قريب الغيبة مما يجوز في مثله اشتراط النقد في بيعه لزم تقويمه إذا عرف موضعه وصفته وينتقد القيمة لجواز بيعه انتهى ، وحاصل المسألة أنه إذا لم يوجد بعسره ، فإن كان موسرا وقت العتق قوم عليه ، وإن كان معسرا واستمر إعساره لم يقوم عليه كما تقدم ، وإن أيسر بعد العتق لم يقوم عليه أيضا بشرطين أن يكون حين العتق بين العسر وأن يكون العبد حاضرا حقيقة أو حكما حين عتقه وإلا قوم عليه بعد حضوره .

التالي السابق


( قوله : وعتق بالحكم إلخ ) ما ذكره من توقف العتق على الحكم إذا أعتق جزءا من عبد وكان الباقي له أو لغيره هو المشهور من المذهب كما قال ابن رشد وقال اللخمي هو الصحيح من المذهب وقيل يكمل الباقي [ ص: 370 ] من غير حكم وقيل : إن كان الباقي لغيره فبالحكم وإلا فبدونه والأقوال الثلاثة لمالك وفي قول المصنف جميعه مسامحة ; وذلك لأن المتوقف على الحكم بقيته لا جميعه . ا هـ . بن .

( قوله : والباقي له ) جملة حالية من فاعل عتق ( قوله : موسرا أو معسرا ) أي والحال أنه لا دين عليه يستغرق الباقي منه وإلا فلا يعتق عليه الباقي بالحكم ( قوله : فيعتبر فيمن يعتق عليه بالسراية ) أي فيعتبر في السيد الذي يعتق عليه بالسراية ما يعتبر في السيد الذي يعتق عليه بالمثلة من كونه رشيدا حرا مسلما أو ذميا لم يعتق جزءا من مثله وكونه صحيحا غير زوجة أو مريضا أو زوجة وقيمة المعتق منه الجزء ثلث ما لهما .

( قوله : لم يكمل عليه ) أي وإنما يكمل عليه إذا كان كل من السيد والعبد مسلما أو كان السيد مسلما والعبد كافرا أو بالعكس ( قوله : في زائد الثلث ) أي فإذا أعتق كل منهما جزءا وكان تكميل العتق يزيد على ثلث كل منهما فلا يكمل ( قوله : فأعتق أحد الشركاء نصيبه ) أي أو أعتق بعضا من نصيبه وصار الباقي بلا عتق له ولغيره كعبد بين اثنين مناصفة فيعتق أحدهما ربعه فيكمل عليه بالحكم ربعه الباقي من نصيبه ونصف شريكه .

( قوله : إن دفع القيمة يومه ) أي حالة كونها معتبرة يومه ( قوله : لا يوم العتق ) أي لحصته ( قوله أنه لا يشترط الدفع بالفعل ) أي ، وإنما الشرط دفعها بالقوة بأن يكون موسرا بها ولا يقال : إن قول المصنف إن دفع القيمة معناه إن أيسر بها دفعها بالفعل أم لا ; لأنه يصير قوله الآتي وأيسر بها مكررا مع ما هنا ولو حذف المصنف قوله إن دفع وقال بالقيمة يومه إن كان المعتق مسلما إلخ كان أولى لمروره على ما هو الأظهر من عدم اشتراط دفع القيمة بالفعل ( قوله : وإن كان السيد المعتق للجزء مسلما ) سواء كان العبد مسلما أو كافرا وكذلك الشريك ( قوله إلا أن يرضى الشريكان بحكمنا ) ، فإن رضيا به نظر ، فإن أبان المعتق العبد أي أبعده عنه ولم يؤوه عنده حكم بالتقويم كما في عتق الكافر عبده الكافر ابتداء ، وإن لم يبنه فلا يحكم بتقويمه عليه وليس المراد أن الشريكين إذا رضيا بحكمنا ، فإنه يحكم بالتقويم مطلقا كما هو ظاهر الشارح .

( قوله : وإن أيسر بها ) لا يقال هذا يغني عنه قوله إن دفع القيمة بناء على ما هو ظاهره من اعتبار الدفع بالفعل شرطا ; لأن دفعه لها يستلزم يساره بها ; لأنا نقول : الاستلزام ممنوع إذ قد يدفعها من مال غيره لكونه غير موسر بها ، فإن كان معسرا بها فلا يكمل عليه ويعرف عسره بأن لا يكون له مال ظاهر ويسأل عنه جيرانه ومن يعرفه ، فإن لم يعلموا له مالا حلف ولم يسجن قاله عبد الملك وسحنون وقاله جميع أصحابنا إلا اليمين فلا يستحلف انظر بن ( قوله : أو ببعضها ) أي وإن أيسر ببعض القيمة فمقابلها أي فمقابل قيمة البعض التي أيسر بها تعتق عليه وهذا أي قوله أو ببعضها فمقابلها كلام مستأنف مذكور في خلال الشروط ولو قرنه بأن وأسقطها من جميع المعطوفات كان أخصر وأبين ( قوله : ما أعسر به ) أي البعض الذي أعسر بقيمته ( قوله : تفسير لما قبله ) أي وهو قوله إن أيسر بها .

( قوله : ويدل على هذا ) أي على كون المصنف قصد به تفسير ما قبله ولم يجعله شرطا مستقلا ( قوله : وإن حصل عتقه ) أي الجزء وقوله باختياره أي باختيار المعتق ( قوله : ولو مليئا ) أي ولو كان ذلك الذي دخل الجزء في ملكه بالميراث مليئا ( قوله : خمسة ) أي بإسقاط قوله وفضلت عن متروك المفلس لما علمت أنه تفسير لما قبله وليس شرطا مستقلا بل الشروط أربعة على ما حققه ابن مرزوق [ ص: 371 ] من أن الدافع بالفعل لا يشترط والمدار على يسره بها دفعت بالفعل أولا .

( قوله : ولو أعتق الأول فالثاني ) أي لو أعتق كل منهما نصيبه وكان العتق مرتبا وكان كل منهما موسرا ، وأما لو كان الأول معسرا ، فإنه لا يقوم حصة الثالث لا على الأول لعدم يسره ولا على الثاني ولو موسرا ; لأنه لم يبتدئ العتق ( قوله : قوم نصيب الثالث على الأول ) أي جبرا عليه ( قوله : ولو طلب الأول التقويم على نفسه ) هذا مبالغة في تقويمه على الثاني إذا رضي بذلك ( قوله : ولا مقال له ) أي لأنه لا حق للأول في الإكمال ، وإنما الحق في الاستكمال وقوله نص عليه المصنف أي في توضيحه .

( قوله : يقوم الجميع ) أي جميع نصيب الثالث ( قوله : وعجل في ثلث مريض إلخ ) حاصله أن المريض إذا أعتق جزءا من عبد وباقيه له أو لغيره فمن المعلوم أن تبرع المريض إنما ينفذ من ثلثه ، فإن كان ماله مأمونا وثلثه يحمل العبد المذكور عجل عتق العبد من الآن وقوم عليه حصة شريكه ، وإن كان لا يحمل إلا بعضه عجل عتق ذلك البعض كان قدر الجزء الذي أعتقه أو أقل أو أكثر ووقف باقيه ، فإن صح المريض أو مات وظهر له مال يحمل ذلك الباقي عتق ذلك الباقي وإلا فلا ، وإن كان مال المريض غير مأمون لم يعجل عتق الجزء الذي أعتقه بل يؤخر مع التقويم لموته ، فإن حمل الثلث العبد بتمامه عتق كله وإلا عتق محمله ورق الباقي .

( قوله : ويقوم عليه الباقي ) أي يقوم عليه حالا قبل موته ليخرج حرا من الآن ( قوله : أي إن شرط تعجيل العتق ) أي مع التقويم بالنسبة للصورة الأولى أو وحده بالنسبة للصورة الثانية ( قوله : لم يعجل عتق الجزء الذي أعتقه ) أي من العبد الذي يملك بعضه أو يملك جميعه ( قوله : فإن حمله الثلث ) أي فإن حمل الثلث كل العبد عتق وقوله وإلا عتق منه أي من العبد محمله أي محمل الثلث سواء كان محمل الثلث قدر الجزء الذي أعتقه فقط أو أكثر أو أقل .

( قوله : ولم يقوم على ميت إلخ ) حاصله أن من أعتق في حال صحته أو مرضه شقصا له في عبد ، وباقيه لغيره ولم يطلع على ذلك إلا بعد موته ولم يوص بتقويم باقي ماله ، فإنه لا يقوم عليه حينئذ ; لأنه بمجرد الموت انتقلت التركة للورثة فصار كمن أعتق جزءا ولا مال له والمعسر لا يقوم عليه هكذا صوره المواق وصوره ابن مرزوق بما إذا أوصى بعتق شخص له في عبد وباقيه لغيره أو له ولم يوص بتقويم باقي العبد في ماله ، فإنه لا يقوم عليه باقيه والجزء الذي أوصى بعتقه ينفذ من الثلث .

( قوله : لأنه بموته ) علة لقول المصنف ولم يقوم على ميت لم يوص ( قوله فلو أوصى بالتقويم ) أي فلو أوصى بتكميل ما أعتقه في صحته أو مرضه ولم يطلع عليه إلا بعد موته فيهما كمل عليه من الثلث فقط ( قوله : وأما لو اطلع عليه قبل الموت ) أي بأن أعتق في حال مرضه أو في حال صحته واطلع على ذلك في مرضه قبل موته وهذا مفهوم قوله ولم يطلع إلخ وحاصل فقه المسألة أنه لو أعتق جزءا في حال صحته واطلع على ذلك في مرضه ، فإنه يمضي ما أعتقه من الجزء حالا من رأس المال ويكمل عليه عتق الباقي حالا من الثلث إن كان المال مأمونا وإلا أخر تقويم باقي العبد لبعد الموت فيعتق من ذلك محمل الثلث سواء كان الباقي أو بعضه ولو أعتق جزءا في حال مرضه قبل موته ، فإنه يعجل عتق ذلك الجزء الذي أعتقه في المرض من ثلثه وكذلك يعجل تقويم الباقي الآن عليه من ثلثه إن كان ماله مأمونا وإلا أخر عتق الجزء وتقويم الباقي من العبد لبعد الموت فيعتق منه محمل الثلث فقول الشارح [ ص: 372 ] فهو ما قبله أي في الجملة يعني بالنظر لما إذا أعتق في المرض واطلع عليه في المرض قبل موته ، وأما حكم ما إذا أعتق في صحته واطلع على ذلك في مرضه فهو مغاير لما تقدم كما علمت وفي قول الشارح .

وأما لو اطلع عليه قبل الموت فهو وما قبله إشارة لجواب اعتراض وارد على المصنف وحاصله أن بين مفهوم قول أمن وبين منطوق قوله ولم يقوم على ميت نوع تخالف إذ مفاد الأول التقويم بعد الموت ، وإن لم يوص ومفاد الثاني خلافه وحاصل الجواب أن الأول فيما إذا اطلع عليه قبل الموت والثاني فيما إذا اطلع عليه بعد الموت كما قرر الشارح وحينئذ فلا مخالفة .

( قوله : وقوم كاملا ) أي على أنه رقيق لا عتق فيه وما ذكره المصنف من أن المعتق بعضه يقوم على المعتق كاملا مطلقا أي سواء أعتق بعضه بإذن شريكه أم لا هو الذي عليه اتفاق الأصحاب وهو المشهور من المذهب وقيل يقوم عليه نصفه مثلا على أن النصف الآخر حر وهو قول أحمد بن خالد وفصل بعضهم فقال : إن أعتق بإذن شريكه فكقول أحمد وأن العتق بغير إذنه فكالمشهور قال ابن عبد السلام وينبغي على القول الأول أن يكون للشريك الرجوع على المعتق بقيمة عيب نقص المعتق إذا منع الإعسار من التقويم عليه نقله في التوضيح ا هـ بن ثم إن محل تقويمه كاملا إن اشترياه معا ولم يبعض الثاني حصته بالعتق ، فإن اشترياه في صفقتين بأن اشترى كل واحد حصته مفردة لم يقوم كاملا بل تقوم حصة الشريك على انفرادها ، وكذا لو أعتق الشريك بعض حصته بعد عتق الأول جميع حصته أو بعضها ، فإنه يقوم على الأول ما بقي من حصة الثاني فقط ولا يقوم كاملا .

( قوله بماله ) أي لأنه بعتق بعضه يمنع انتزاع ماله ; لأنه تبع له فلذا وجب تقويمه مع ماله ، ولا يقوم بغيره إن لم يلتزم المعتق حصة شريكه من ماله ويعتبر من ماله يوم تقويمه على المعتق الكائن في محل العتق ، فإذا كان له حين التقويم مال موجود بمصر ومال بمكة اعتبر المال الموجود في محل العتق فيقوم معه دون غيره ( قوله : ضررا على الشريك ) أي بكساد حصته بتقويمها مفردة ; لأن قيمة نصف العبد أقل من نصف قيمته لقلة الرغبة في شراء الحصة وكثرة الرغبة في شراء الكامل .

( قوله : ونقض إلخ ) علة النقض ما فيه من الغرر ; لأن التقويم قد وجب فيه قبل البيع فدخل المشتري على حالة مجهولة ومفهوم قوله بيع أن الصدقة والهبة لا ينقضان ويقوم على المعتق ويكون الثمن للمعطى بالفتح إلا أن يحلف الواهب أنه ما وهب لتكون للموهوب له القيمة ، فإن حلف كان أحق بها كذا قالوا هنا ا هـ عبق ( قوله : ولو تعددت البياعات ) لا يقال البيع من مفوتات البيع الفاسد ; لأنا نقول : لا يكون البيع مفوتا إلا إذا كان صحيحا وهنا لا يكون إلا فاسدا للغرر كما علمت .

( قوله : سواء علم الشريك ) أي الذي قد باع بالعتق قبل بيعه أم لا ( قوله : إلا أن يعتقه المشتري ) أي أو يفوت بيده بمفوت من مفوتات البيع الفاسد كنقص في سوق أو بدن أو زيادة مال أو حدوث ولد له من أمته ، فإذا حصل في العبد مفوت مما ذكر فلا ينقض البيع في الجزء ويلزم المشتري بقيمته يوم قبضه ثم يدفع المعتق القيمة له ليكمل عليه عتق جميعه .

( قوله : ويقوم قنا في الثلاثة على المعتق الموسر بتلا ) أي على المعتق الذي أعتق في الحال ويكون لسيده حصته من القيمة ; لأنه لما نقض عتقه وما بعده فكأنه لم يحصل منه ذلك ( قوله : ما لم يرض الآخر ) أي وهو الشريك المعتق بانتقاله ( قوله : فليس له رجوع إليه ) أي على المعتمد ( قوله : إلا برضا صاحبه ) أي وهو الشريك المعتق ( قوله لم يكن له اختيار التقويم ثانيا بلا خلاف ) أي ما لم يرض به صاحبه وإلا كان له اختياره ( قوله : وفي نسخة ببيعه ) أي وعليها فالمعنى ، وإذا حكم الحاكم ببيع [ ص: 373 ] الشريك حصته لغير المعتق لعسر المعتق مضى ولا ينقض الحكم بيسر المعتق بعد الحكم ولو لم يبع بالفعل

( قوله : كقبله ) تشبيه في عدم التقويم على المعتق وحاصله أن المعتق إذا أعسر بقيمة حصة شريكه يوم العتق فلم يقومها الشرع عليه لعسره ثم حصل له يسار بعد ذلك ، فإنها لا تقوم عليه بشرطين إن كان المعتق لحصته بين العسر يوم العتق وكان العبد حاضرا إذا علمت ذلك تعلم أن قول المصنف كقبله الأولى أن يقول كنفيه أي كنفي الحكم أي أنه إذا انتفى الحكم رأسا وكان معسرا وقت العتق ثم أيسر فلا تقويم إن كان بين العسر وحضر العبد .

( قوله : وكان العبد حاضرا حين العتق ) أي حين عتق المعتق لنصيبه والقيام عليه ( قوله : لاحتمال أن يكون هذا اليسر الذي ظهر ) أي حين القيام عليه وقوله هو الذي كان حين العتق الأولى أن يحذف قوله الذي بأن يقول لاحتمال أن يكون هذا اليسر الذي ظهر كان موجودا حين العتق وأخفاه ; لأنه ليس ثم يسر معهود حين العتق ، وإنما يحتمل أنه كان موجودا وأخفاه تأمل ( قوله : بخلاف الغائب ) أي غيبة بعيدة ، فإنه يتعذر تقويمه ; لأنه لا بد من نقد قيمته على ما مر للمصنف والنقد في الغائب لا يجوز سواء علم بموضعه وصفته أو كان مفقودا .

( قوله : ومثل حضوره ) أي حين العتق أي في كونه يمنع من التقويم إذا حصل اليسار بعد العتق ما إذا كان غائبا حين العتق غيبة يجوز فيها اشتراط النقد لقربها ، وقوله قال ابن القاسم إلخ الأولى حذفه ; لأن كلام ابن القاسم في حال اليسر بدليل قوله لزم تقويمه ولو حمل على العسر كما هو موضوع كلام المصنف لم يناسب قوله لزم تقويمه بل حقه لزم عدم تقويمه إلا أن يقال كلام ابن القاسم أفاد أن قرب الغيبة مع اليسر كالحضور في لزوم التقويم فيؤخذ منه أن قرب الغيبة مع العسر كالحضور في منع التقويم تأمل .

( قوله واستمر إعساره ) أي فلم يحصل له يسار أصلا بعد العتق ( قوله : أو حكما ) أي بأن كان غائبا غيبة قريبة يجوز فيها اشتراط النقد ( قوله : وإلا قوم عليه ) أي وإلا يكن حاضرا حقيقة أو حكما بأن كان غائبا حين العتق غيبة بعيدة قوم عليه بعد حضوره




الخدمات العلمية