الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( أنف ) الهمزة والنون والفاء أصلان منهما يتفرع مسائل الباب كلها : أحدهما أخذ الشيء من أوله ، والثاني أنف كل ذي أنف . وقياسه التحديد . فأما الأصل الأول فقال الخليل : استأنفت كذا ، أي : رجعت إلى أوله ، وائتنفت ائتنافا . ومؤتنف الأمر : ما يبتدأ فيه . ومن هذا الباب قولهم : فعل كذا آنفا ، كأنه ابتداؤه . وقال الله تعالى : قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا .

                                                          والأصل الثاني الأنف ، معروف ، والعدد آنف ، والجمع أنوف . وبعير مأنوف يساق بأنفه ، لأنه إذا عقره الخشاش انقاد . وبعير أنف وآنف مقصور ممدود . ومنه الحديث : المسلمون هينون لينون ، كالجمل الأنف ، إن قيد انقاد وإن أنيخ استناخ . ورجل أنافي عظيم الأنف . وأنفت الرجل : ضربت أنفه . وامرأة أنوف طيبة ريح الأنف . فأما قولهم : أنف من كذا ، فهو من الأنف أيضا ، وهو كقولهم للمتكبر : " ورم أنفه " . ذكر الأنف دون سائر الجسد لأنه يقال : شمخ بأنفه ، يريد رفع رأسه كبرا ، وهذا يكون من الغضب . قال :


                                                          ولا يهاج إذا ما أنفه ورما

                                                          أي : لا يكلم عند الغضب . ويقال : " وجعه حيث لا يضع الراقي أنفه " . يضرب لما لا دواء له . قال أبو عبيدة : بنو أنف الناقة بنو جعفر بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد ، يقال : إنهم نحروا جزورا كانوا غنموها في بعض غزواتهم ، [ ص: 147 ] وقد تخلف جعفر بن قريع ، فجاء ولم يبق من الناقة إلا الأنف فذهب به ، فسموه به . هذا قول أبي عبيدة . وقال الكلبي : سموا بذلك لأن قريع بن عوف نحر جزورا وكان له أربع نسوة ، فبعث إليهن بلحم خلا أم جعفر ، فقالت أم جعفر : اذهب واطلب من أبيك لحما . فجاء ولم يبق إلا الأنف فأخذه فلزمه وهجي به . ولم يزالوا يسبون بذلك ، إلى أن قال الحطيئة :


                                                          قوم هم الأنف والأذناب غيرهم     ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا

                                                          فصار بذلك مدحا لهم . وتقول العرب : فلان أنفي ، أي : عزي ومفخري . قال شاعر :


                                                          وأنفي في المقامة وافتخاري

                                                          قال الخليل : أنف اللحية طرفها ، وأنف كل شيء أوله . قال :


                                                          وقد أخذت من أنف لحيتك اليد

                                                          وأنف الجبل : أوله وما بدا لك منه . قال :


                                                          خذا أنف هرشى أوقفاها فإنه     كلا جانبي هرشى لهن طريق

                                                          قال يعقوب : أنف البرد : أشده . وجاء يعدو أنف الشد ، أي : أشده . وأنف الأرض : ما استقبل الأرض من الجلد والضواحي . ورجل مئناف : يسير في أنف النهار . وخمرة أنف أول ما يخرج منها . قال :

                                                          [ ص: 148 ]

                                                          أنف كلون دم الغزال معتق     من خمر عانة أو كروم شبام

                                                          وجارية أنف مؤتنفة الشباب . قال ابن الأعرابي : أنفت السراج : إذا أحددت طرفه وسويته ، ومنه يقال في مدح الفرس : " أنف تأنيف السير " ، أي : قد وسوي كما يسوى السير . قال الأصمعي : سنان مؤنف ، أي : محدد . قال :


                                                          بكل هتوف عجسها رضوية     وسهم كسيف الحميري المؤنف

                                                          والتأنيف في العرقوب : التحديد ، ويستحب ذلك من الفرس .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية