الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( أرب ) الهمزة والراء والباء لها أربعة أصول إليها ترجع الفروع : وهي الحاجة ، والعقل ، والنصيب ، والعقد . فأما الحاجة فقال الخليل : الأرب الحاجة ، وما أربك إلى هذا ، أي : ما حاجتك . والمأربة والمأربة والإربة ، كل ذلك الحاجة . قال الله تعالى : غير أولي الإربة من الرجال . وفي المثل : " أرب لا حفاوة " ، أي : حاجة جاءت بك ولا ود ولا حب . والإرب : العقل . قال ابن الأعرابي : يقال للعقل أيضا إرب وإربة كما يقال للحاجة إربة وإرب . والنعت من الإرب أريب ، والفعل أرب بضم الراء . وقال ابن الأعرابي : أرب الرجل يأرب إربا . ومن هذا الباب الفوز والمهارة بالشيء ، يقال : أربت بالشيء ، أي : صرت به ماهرا . قال قيس :


                                                          أربت بدفع الحرب لما رأيتها على الدفع لا تزداد غير تقارب

                                                          [ ص: 90 ] ويقال : آربت عليهم فزت . قال لبيد :


                                                          ونفس الفتى رهن بقمرة مؤرب

                                                          ومن هذا الباب المؤاربة وهي المداهاة ، كذا قال الخليل . وكذلك الذي جاء في الحديث : " مؤاربة الأريب جهل " . وأما النصيب فهو والعضو من باب واحد ، لأنهما جزء الشيء . قال الخليل وغيره : الأربة نصيب اليسر من الجزور . وقال ابن مقبل :


                                                          لا يفرحون إذا ما فاز فائزهم     ولا ترد عليهم أربة اليسر

                                                          ومن هذا ما في الحديث : كان أملككم لإربه ، أي : لعضوه .

                                                          ويقال : عضو مؤرب ، أي : موفر اللحم تامه . قال الكميت :


                                                          ولانتشلت عضوين منها يحابر     وكان لعبد القيس عضو مؤرب

                                                          أي : صار لهم نصيب وافر . ويقال : أرب ، أي : تساقطت آرابه . وقال عمر بن الخطاب لرجل : " أربت من يديك ، أتسألني عن شيء سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . يقال منه أرب . وأما العقد والتشديد فقال أبو زيد : أرب الرجل يأرب : إذا تشدد وضن وتحكر . ومن هذا الباب [ ص: 91 ] التأريب ، وهو التحريش ، يقال : أربت عليهم . وتأرب فلان علينا : إذا التوى وتعسر وخالف . قال الأصمعي : تأربت في حاجتي تشددت ، وأربت العقدة ، أي : شددتها . وهي التي لا تنحل حتى تحل حلا . وإنما سميت قلادة الفرس والكلب أربة لأنها عقدت في عنقهما . قال المتلمس :


                                                          لو كنت كلب قنيص كنت ذا جدد     تكون أربته في آخر المرس

                                                          قال ابن الأعرابي : الأربة خلاف الأنشوطة . وأنشد :


                                                          وأربة قد علا كيدي معاقمها     ليست بفورة مأفون ولا برم

                                                          قال الخليل : المستأرب من الأوتار الشديد الجيد . قال :


                                                          من نزع أحصد مستأرب

                                                          وأما قول ابن مقبل :


                                                          شم العرانين ينسيهم معاطفهم     ضرب القداح وتأريب على الخطر

                                                          فقيل يتممون النصيب ، وقيل يتشددون في الخطر . وقال :

                                                          [ ص: 92 ]

                                                          لا يفرحون إذا ما فاز فائزهم     ولا ترد عليهم أربة العسر

                                                          أي : هم سمحاء لا يدخل عليهم عسر يفسد أمورهم . قال ابن الأعرابي : رجل أرب : إذا كان محكم الأمر . ومن هذا الباب أربت بكذا أي استعنت . قال أوس :


                                                          ولقد أربت على الهموم بجسرة     عيرانة بالردف غير لجون

                                                          واللجون : الثقيلة . ومن هذا الباب الأربى ، وهي الداهية المستنكرة . وقالوا : سميت لتأريب عقدها كأنه لا يقدر على حلها . قال ابن أحمر :


                                                          فلما غسا ليلي وأيقنت أنها     هي الأربى جاءت بأم حبوكرى

                                                          فهذه أصول هذا البناء . ومن أحدها إراب ، وهو موضع وبه سمي [ يوم ] إراب ، وهو اليوم الذي غزا فيه الهذيل بن حسان التغلبي بني يربوع ، فأغار عليهم . وفيه يقول الفرزدق :


                                                          وكأن رايات الهذيل إذا بدت     فوق الخميس كواسر العقبان
                                                          وردوا إراب بجحفل من وائل     لجب العشي ضبارك الأقران

                                                          ثم أغار جزء بن سعد الرياحي ببني يربوع على بكر بن وائل وهم خلوف ، فأصاب سبيهم وأموالهم ، فالتقيا على إراب ، فاصطلحا على أن [ ص: 93 ] خلى جزء ما في يديه من سبي يربوع وأموالهم ، وخلوا بين الهذيل وبين الماء يسقي خيله وإبله . وفي هذا اليوم يقول جرير :


                                                          ونحن تداركنا ابن حصن ورهطه     ونحن منعنا السبي يوم الأراقم

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية